للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[على ذكرى (عيد الميلاد)]

بعد ثلاثة أيام تتجدد ذكرى (مولد المسيح) فيقف أبناء (قابيل) آلة الحرب؛ ثم يخرون جاثين لله في الثكنات والمطارات والبوارج والخنادق والمخابئ والكنائس يرتلون حاسرين نشيد السلام المأثور:

(المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام!)

فإذا أصبحوا انقلبوا سراعاً إلى آلات الفناء فأرسلوا منها الصواعق على إخوانهم الذين هتفوا معهم بالمجد لله في السماء، وبالدوام للسلام على الأرض! فسحقوهم أو أحرقوهم على رمال لوبيا، وفوق ثلوج روسيا، وبين أطباق الهواء، وتحت أعماق الماء؛ كأنما اختلت الدنيا، واختبلت الناس، وانقلبت المعاني، فصار الدين معناه الكفر، والسلام معناه الخصام، والمفاوضة معناها الختل، والمعاهدة معناها الغدر، والأخوة معناها العداوة؛ وأصبح هذا الكوكب بقاراته ومحيطاته وسكانه كرة من النار تتقاذفها الأرجل الحديدية بين فريق هتلر وموسولينى والميكادو، وفريق تشرشل وروزفلت وستالين. ولا يدري إلا الله من سيقذفها في (الجول)؛ وما الجول هنا إلا عبودية الأبد أو حرية الأبد!

كان العالم المسيحي في مختلف أقطاره يجدد بعيد الميلاد ما أنطمس في نفسه من معاني المودة والرحمة والأسرة والطفولة، فيصل بالتزاور ما انقطع من أسباب القرابة، ويؤكد بالتهادي ما وهي من عرى الصداقة؛ وكان الميكادو على وثنيته يقوم بدور الشيخ الطيب (نوبل)، فيحمل اللعب من اليابان بأبخس الأثمان إلى كل بيت فيه طفل؛ فلما صُلِبت المسيحية في أوربا على صليب النازية المعقوف، انتكست الطباع وانعكست الأوضاع، وانكفأ بعض الشعوب إلى البربرية الأولى، يغالبون بعصبية الجنس، ويسودون ببأس الحديد. وجامل الميكادو في الشر كما جامل في الخير، فترك دور الشيخ (نوبل) وقام بدَور الأب (فويتار)، فاستبدل بلعَب الأطفال من صور الدبابات والطائرات والسابحات، قطعاً كالجبال من الحديد والبارود تدك مدائن البر، وتبتلع جزائر البحر، وتشعل النار فيما بقى من أطراف الأرض، حتى أوشك أن يجاوز الصواب قول الفلكيين إنها كوكب مظلم!

بعد ثلاثة أيام تعاود الناس ذكرى ليلة الميلاد وهم من تفاعل المذاهب والقرون في رجفة من الصراع الماحق توشك أن تقيم عليهم القيامة. وسيذكر الشباب المجندون لمجالدة الحق أو مجاهدة الباطل أنهم كانوا في مثل هذه الليلة أمام المواقد أو حول الموائد قرة عيون

<<  <  ج:
ص:  >  >>