من مزايا الشريعة الإسلامية، ومظاهر برّها، وشواهد فضلها، ودلائل إنعامها وخيرها، ومن آي تسامحها - كفالتها لأهل الذمة ورحمتها بهم، ورعايتها لهم، ودفع الظلم والأذى عنهم، فإنهم متى أعطوا الجزية - وجب تأمينهم، وحمايتهم،، والدفاع عنهم، وتوفير الحرية لهم في دينهم بالشروط التي تعقد بها الجزية، ومعاملتهم بعد ذلك بالعدل والمساواة كالمسلمين، ويحرم ظلمهم وإرهاقهم بتكليفهم مالا يطيقون كالمسلمين، وينسمون أهل الذمة، لأن هذه الحقوق ثبتت لهم بمقتضى ذمة الله وذمة رسوله صلوات الله وسلامه عليه.
أما الجزية التي تفرض عليهم فليس فيها مشقة، ولا عنت، كما أنها لم تجب عليهم اعتسافاً وتحكما، فهي قدر يسير من المال، لا يفرض إلا على الرجل الحر القادر على الكسب: فلا جزية على صبي، ولا على امرأة، ولا على فقير غير معتمل، كما أنها لا تجب على أهل الصوامع، وهي عند الحنفية ثمانية وأربعون درهما على الغني كل سنة، وأربعة وعشرون على المتوسط، واثنا عشر على الفقير؛ وعند الشافعي أقلها، وهو دينار، وأكثرها غير محدود، وذلك بحسب ما يصالحون عليه. وقال قوم: ليس لهم قدر معين، وإنما هو متروك لاجتهاد الإمام.
واختلف العلماء في سبب أخذها منهم، وأقرب الآراء، وأولاها بالترجيح ما رآه العالم المحقق السيد محمد رشيد رضا، من أنها واجبة للدفاع عنهم وحمايتهم من الاعتداء عليهم، كما يفهم من سيرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الناس بمقاصد الشريعة، وأعدلهم في تنفيذها، فمن ذلك ما كتبه خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا، حينما دخل الفرات:(هذا كتاب من خالد ابن الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه، إني أعاهدكم على الجزية والمنعة فلك الذمة والمنعة، وما منعناكم فلنا الجزية، وإلا فلا)، وذكر البلاذري في فتوح البلدان، والأزدي في فتوح الشام - أن الصحابة رضوان الله عليهم