لا أعلم شيئاَ أعظم بركة على البشر من عقيدة البعث، وقيام الأموات من القبور، ومجازاة المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته
ولا أعلم شيئاَ أعظم شؤماَ على البشر من تحطم هذه العقيدة، واعتقاد الناس أنهم لا يجزون بخير يعلمونه، ولا بشر يقترفونه
ولا أعلم زماناَ كان الناس فيه أحوج إلى اعتقاد البعث من هذا الزمان.
إن روح الشر التي تسيطر على البشر الآن، ويشكو منها القادة والمصلحون هي من ضياع هذه العقيدة
خوت القلوب من عقيدة البعث والجزاء، فقادت الناس شهواتهم، وضاعت الشكائم التي كانت تكفهم، وأصبح المرء يرى أن لا حياة له إلا هذه الحياة، وأنه إن لم يمتع نفسه بكل الشهوات خسر خسراناَ مبيناَ، فاندفع يحصل هذه الشهوات من كل سبيل. فقد الإيمان بجزاء الأعمال فاستوت عنده الحسنة والسيئة، فاندفع إلى السيئات يقترفها، وكأنما يأتي حسنات.
تنبهت غرائزه الدنيئة، وفتحت فاها فلم يكفها شيء تلقمه؛ واختفت غرائزه العلوية، وأصبحت الحدود التي تفصل بينه وبين الحيوان الأعجم دقيقة وتكاد تمحي.
أقفر المستقبل من الجنات التي أعدت له جزاء فعل الخير فلم تتحرك فيه إرادة الخير، وأقفر أيضاَ من الجحيم الذي كان ينتظره جزاء فعل الشر فلم ينزجر عن شر، فهتك الحرمات، واستباح المعاصي، وسار في هذه الحياة لا دين يردعه، ولا فضيلة تزجره.
كانت مقاييس الخير والشر عنده رضا الله وغضبه، ونفع الناس وضرهم، فأصبحت مقاييس الخير والشر إتباع شهواته وإجاعتها، ورضا ميوله وغضبها.
كان الفقير والمريض والمبتلى يجد كل منهم في هذه الدنيا سلواه لأنه يعلم أن وراء هذا الفقر في الدنيا غنى الآخرة، ووراء هذا المرض صحة، ووراء هذه البلوى عافية، فكان في وسط هذه الشدائد والآلام راضي النفس، باسم الأمل، راجي الرحمة، فأوصدوا هذه البواب في وجهه، فلا أمل، ولا رحمة، ولا رضى، ولا رجاء.