لما تسربت الأنباء الأولى عن مشروع اللجنة الملكية البريطانية في تقسيم فلسطين إلى دولتين إحداهما عربية والأخرى يهودية، وقبل أن يذاع تقرير اللجنة أبدينا في (الرسالة) أن هذا الحل الجديد الذي ابتكرته السياسة البريطانية لتسوية المسألة الفلسطينية لم يكن حلاً موفقاً، وأنه لا يمكن أن يرضي أحداً من الفريقين المتنازعين
والآن وقد مضت أسابيع على ظهور تقرير اللجنة عن مشروع التقسيم، وعرفنا إلى أي حد ذهبت اللجنة الملكية في استنتاجاتها وفي توصياتها، وكيف استقبل العرب مقترحاتها بعاصفة من السخط والإنكار المطلق لا في فلسطين وحدها ولكن في جميع أنحاء الجزيرة العربية، وكيف اعتزمت فلسطين أن تستأنف النضال في سبيل حياتها وكيانها، وكيف تغدو اليوم وشيكة انفجار جديد لا تؤمن عواقبه، فأنه يصعب علينا أن نعتقد أن الحكومة البريطانية التي أقرت مقترحات اللجنة على عجل لم تعتده في مثل هذه المناسبات الخطيرة، ستغضي عن هذه العوامل الجيدة التي ظهرت في الميدان منذ ظهور التقرير، والتي لا يمكن أن تعاون على استتباب السلام المنشود في فلسطين
إن مشروع التقسيم الذي تقترحه اللجنة يمزق فلسطين شر ممزق بل هو يقضي القضاء الأخير على كيانها القومي ويخرجها من عداد الأمم والمجتمعات ذوات المميزات الخاصة ويحرمها من كل أمل في التقدم والنهوض؛ وإن نظرة واحدة إلى الحدود المقترحة لهذا التقسيم تكفي للحكم بأن فلسطين تمحى بمقتضاه من خريطة الوجود ولا يبقى منها برسم الدولة العربية الجديدة سوى صخور وبسائط صحرواية لم يتح للعمران طيلة القرون أن يذللها وأن يستثمرها؛ وماذا عسى أن يبقى من فلسطين العربية إذا اقتطعت منها كل سواحلها وثغورها وقواعدها المقدسة وكل بقاعها الخصبة؟ إن الدولة اليهودية التي يشير التقرير بإنشائها تشمل في الواقع كل قواعد فلسطين وثغورها التاريخية عدا ثغر يافا الذي يبقى وحده مخرجاً بحرياً للقسم الصحراوي الذي خصص للعرب؛ أما بقاع فلسطين المقدسة التي لبثت علماً عليها طوال القرون فقد تقرر أن تؤلف منها منطقة خاصة توضع تحت