أشراف عصبة الأمم أو بالحري تحت إشراف الانتداب البريطاني، وبذلك تجرد كل فلسطين من قواعدها التاريخية وكل ثرواتها ومواردها الاقتصادية في مصلحة الدولة اليهودية الجديدة؛ ومع ذلك فاللجنة الملكية تنوه في تقريرها بأهمية هذا التقسيم بالنسبة للعرب، وتقول لنا إنه (سيمكنهم من الحصول على استقلالهم الوطني والتعاون على قدم المساواة مع العرب في البلاد المجاورة، وذلك في كل ما يؤول إلى وحدة العرب ونجاحهم وسيخلصون نهائياً من خوف تسلط اليهود عليهم ووقوع الأماكن المقدسة بيد اليهود)
على أن هذه الألفاظ المعسولة لا تغير شيئاً من الحقيقة الهائلة وهي أن مشروع التقسيم يمحو فلسطين العربية من خريطة الوجود لينشئ على أنقاضها وتراثها التاريخي مملكة إسرائيل وليحقق بذلك حلم اليهودية القديم؛ نعم إن المساحة التي تضمها الدولة اليهودية الجديدة هي أقل مما تطمح إليه اليهودية، ولكنها تحتوي كما قدمنا على أطيب ما في فلسطين من قواعد وثغور، واليهودية تغدو في هذا الحيز الضيق أقوى وأشد إيماناً بالمستقبل؛ ثم هي مع ذلك بدء فقط؛ واليهودية تأسف بلا ريب أن تخرج بيت المقدس من قبضتها وهي مثوى تراثها الروحي وذكرياتها المقدسة، ولكنها تتعزى عن ذلك بخروجها من قبضة العرب أيضاً، وكونها وهي في يد إنكلترا أقرب إلى نفوذهم؛ ومن يدري فقد تسنح الفرصة فيما بعد لاستردادها بطريقة من الطرق، وبذلك يصبح ظفر اليهودية بإحياء مملكة إسرائيل القديمة كاملا شاملا
والخلاصة أن مشروع التقسيم هو قرعة الفناء للأمة الفلسطينية وهي حقيقة لم يتردد العرب لحظة في إدراكها، ومن ثم كان رفضهم للمشروع بهذا الإجماع السريع المؤثر الذي هو عنوان الخطر القومي، والذي تلوذ به الأمم المجاهدة في مواقف الحياة والموت؛ ولقد جاهدت فلسطين مذ نكبت بالانتداب والوطن القومي اليهودي في سبيل حريتها وعروبتها، ولم تقبل أن تكون ميداناً لهذه التجربة اليهودية الخطرة التي لم تكن تتوجها مع ذلك أية صبغة شرعية أكثر من وعد الحكومة البريطانية بمؤازراتها، فكيف ينتظر منها أن تقبل اليوم أن تقوم في قلبها وفي أطيب بقاعها مملكة يهودية تتمتع بصفة شرعية دولية، تنازعها البقاء وتنذرها بالفناء العاجل بما هيئ لها من أسباب التفوق السياسي والاقتصادي والاجتماعي