للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

اليابان سنة ١٩٣٤

تثير نهضة اليابان العسكرية والاقتصادية في الأمم الغربية أيما اهتمام وجزع، ذلك لأنها تسير بخطى الجبابرة، ولا تقف عند حد، وتحمل في طريقها كل شئ. كانت اليابان قبل خمسين عاماً فقط محصورة في جزائرها لا يزيد عدد سكانها على ثلاثين مليوناً؛ أما اليوم فهي إمبراطورية عظيمة، تسيطر على كوريا ومنشوريا وقسم من منغوليا، ويبلغ سكانها وسكان الأراضي التي تسيطر عليها نحو مائة وعشرين مليوناً.

وقد أصدر الكاتب الفرنسي موريس لاشان عن اليابان ونهضتها تحقيقاً جامعاً في كتاب عنوانه (اليابان سنة ١٩٣٤) وفيه يلقي الضياء على بعض الحقائق المدهشة؛ فإن اليابان مثلاً ما زالت تجمع بين روحها وتقاليدها القديمة وبين روح الدولة الحديث؛ وما زالت صور الإقطاع والعبودية القديمة تثقل كاهل الشعب؛ والشعب ترغمه التقاليد والتراث الروحي القديم وحب الإمبراطور على الخضوع والطاعة، وهو يضطرم بنوع من الاشتراكية الوطنية. ويلاحظ الكاتب أيضاً أن قوى الشعب الياباني كلها، والإمبراطور، والجيش والبحرية، وأقطاب العهد القديم من جهة وقوى الرأسمالية، وكل الجموع البائسة التي يغص بها المعمل من جهة أخرى، كلها تعمل في نفس الاتجاه وبنفس الروح، ولنفس الغاية، وهي افتتاح أسواق الصين، والسيطرة على المحيط الهادئ، بل هي في الواقع غزو العالم كله؛ وقد غزت اليابان بالفعل جزائر الهند الشرقية، وأخذت تهدد قاعدة سنغافورة، وأستراليا، ووصلت تجارتها إلى شواطئ المحيط الهندي، ونفذت إلى بلاد الحبشة، وجازت مضيق عدن وقناة السويس، وانتشرت على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

ويتوقع المسيو لاشان أن النزاع قد يضطرم عما قريب بين اليابان وأمريكا؛ ولكن يجب لاضطرامه أن يقع حادث ما؛ ومثل هذا الحادث قد يكون أول انتصار اليابان على الصين، أو انتصارها على الروسيا، أو تنازعها مع الصين والروسيا على تحقيق الإمبراطورية الكبرى التي تسعى اليابان إلى تحقيقها باسم الشعوب الصفراء، ذلك أن شعوب الصين المختلفة قد ترغم غداً على أن ترى في اليابان ما رأته الأمم الجرمانية من قبل في بروسيا، أعني زعيماً ومعلماً وقائداً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>