للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الصراع الحاسم بين الطغيان والديموقراطية]

بقلم باحث دبلوماسي كبير

جازت الديموقراطية المعاصرة مرحلتين حاسمتين في تاريخها: ففي غداة الهدنة التي اختتمت بها الحرب الكبرى استقبلت الديموقراطية طوراً جديداً من القوة والظفر؛ وكانت الحرب الكبرى من بعض الوجوه صراعا بين الطغيان والديموقراطية؛ ففي معسكر الطغيان تجتمع الأسر القديمة الطاغية - آل هبسبرج وآل هوهنزلرن - والعسكرية البروسية تحركها أطماع مضطرمة في السيادة الواسعة؛ وفي المعسكر الخصيم تجتمع الأمتان العريقتان في الديموقراطية فرنسا وبريطانيا؛ وإذن فقد كانت هزيمة الدول الوسطى في الحرب الكبرى هزيمة للطغيان والملوكية المطلقة؛ وكان ظفر بريطانيا وفرنسا من بعض الوجوه ظفراً للديموقراطية والنظم الشعبية؛ وظهرت نتيجة هذا الظفر واضحة في قيام عدة من الجمهوريات الفتية في روسيا وألمانيا والنمسا وبولونيا وتشيكوسلوفاكيا، وفي دول البلطيق الصغرى؛ فهذه مرحلة ظفر للديمقراطية المعاصرة

ونعمت الديمقراطية بظفرها بضعة أعوام، ولكنها انحدرت إلى معترك من الشقاق الخطر، وانقسمت إلى شيع متخاصمة؛ وبدلاً من أن تجتمع في معسكر موحد، أخذت في نضال عنيف مستمر فيما بينها باسم المبادئ والصيغ المختلفة ما بين اشتراكية وديمقراطية متطرفة ومعتدلة، حتى دب الفشل إلى صفوفها؛ وكانت أول نتيجة خطرة لهذا الشقاق قيام الفاشستية في إيطاليا وسحق الديمقراطية فيها؛ ولم تلبث قوى الطغيان أن ظفرت تباعا في بولونيا حيث تقوم حكومات مطلقة تستتر وراء الجمهورية، ثم في ألمانيا حيث قامت النازية أو الهتلرية ونظمت أعظم طغيان عرفه التاريخ الحديث، ثم في النمسا حيث طغت الأحزاب الفاشستية؛ وأما في روسيا، فأن النظام الذي استحدثه البلاشفة للجمهورية الجديدة لم يكن سوى طغيان شنيع يستتر باسم سيادة الطبقات العاملة؛ كذلك لم تلبث الجمهورية التركية الناشئة أن تحولت إلى طغيان عسكري مطلق يستتر تحت نظام جمهوري صوري؛ فهذه مرحلة انحلال للديمقراطية المعاصرة

والآن تبدو في الأفق ظاهرة جديدة؛ ولقد ظفرت الديمقراطية في إسبانيا منذ أعوام قلائل ظفراً مبيناً، فسحقت الملوكية الطاغية القديمة، وأقامت حكم الجمهورية والنظم الدستورية،

<<  <  ج:
ص:  >  >>