رأينا مما تقدم أن الأديان السابقة على الإسلام إما استفادت من الفنون الجميلة في إيضاح عقائدها وتقريب مبادئها للأذهان، وإما أنكرت هذه الفنون وقضت عليها، أما الإسلام فموقفه منها يختلف جد الاختلاف عن هذين الموقفين: فهو لم يستخدم الفنون الجميلة في دعوته كما استخدمتها الوثنية والمسيحية، ولم ينكر هذه الفنون كما أنكرتها اليهودية، ولكنه تضمن توجيهات مختلفة كان لها أبعد الأثر في تكوين الفن الإسلامي بعضها إيجابي، وبعضها سلبي، وبعضها كانت بمثابة عوامل مساعدة على رقي الفنون الإسلامية الجميلة ونضوجها. وسنبين فيما يلي هذه التوجيهات المتباينة لنرى كيف استطاع الإسلام بنواهيه وأوامره أن يخلق فناً جميلاً له روعته وبهاؤه
ويتجلى لنا أثر التوجيهات الإيجابية في فنون الخط والزخرفة والعمارة. أما فن الخط فقد حظي من عناية المسلمين جميعاً بنصيب وفير، وكان للخطاطين عندهم مركز ممتاز لا نبالغ إذا قلنا أنه قد تسامى إلى مركز الملوك والأمراء إذ نزل هؤلاء إلى ميدان الخطاطين ينافسونهم في صنعتهم لا سعياً وراء الكسب المادي، ولكن رغبة في الحصول على الفخر الأدبي؛ فكانوا يكتبون بأيديهم نسخاً من القرآن الكريم يقدمونها للبقاع المقدسة. والذي أعطى للخط العربي هذه المكانة الممتازة هو اتصاله القوي بالقرآن كلام الله الذي نزل باللغة العربية على محمد صلوات الله عليه (وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً) فالخط هو وحده أداة كتابة هذا الوحي فضلاً عن أن الحق جل وعلا قد أضاف تعليمه إلى نفسه (اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم)، كما أنه سبحانه أقسم به (ن والقلم وما يسطرون). ومن هنا كان إقبال من اعتنقوا الإسلام على تعلم الخط العربي، ومن هنا وجدت صلة من أوثق الصلات ربطت العالم الإسلامي بعضه ببعض، إذ توحد شكل الكتابة، فصارت الهندية والإيرانية مثلاً تكتبان بالحروف العربية
هذا ولقد ظهر بظهور التصوف في الإسلام علم ينسب إلى الحروف العربية أسراراً خفية تمكن الإنسان من التأثير في المخلوقات بواسطة (الأسماء الحسنى والكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة بالأسرار في الأكوان)، كما يقول ابن خلدون في مقدمته. ولا يعنينا