الشرق القريب - ومصر على وجه الخصوص - حديث العهد جداً بدراسة موضوع طريقة البحث التاريخي وكتابة التاريخ بالمعنى العلمي الحديث؛ وكلية الآداب بالقاهرة تكاد تبدأ هذا النوع من الدرس الذي أرجو أن يتسع ويطبق عملياً في المستقبل القريب. وفي صيف ١٩٣٩ أصدر صديقي الدكتور أسد رستم كتاب (مصطلح التاريخ) نتيجة خبرته في تدريس طريقة البحث التاريخي سنوات عديدة في جامعة بيروت الأمريكية. وابتداءً من نوفمبر ١٩٤٠، أخذ الدكتور محمد مصطفى زيادة الأستاذ المساعد لتاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب بالقاهرة ينشر سلسلة من المقالات بمجلة (الثقافة) عن صناعة التاريخ في مصر، فرأيت أن أساهم أيضاً - بعد أن فتحت لي (الرسالة) صدرها الرحيب - بنشر بعض مقالات عن هذا الموضوع، لاحتمال تقديمه بعض النفع للراغبين في دراسة وكتابة التاريخ. ولإعطاء القارئ فكرة عن طريقة كتابة المؤلفات التاريخية التي يتداولها؛ والتاريخ لا يدرس عفواً، ولا يكتب اعتباطاً؛ وإنما يدرس لأغراض وفوائد، ولا بد لكتابته من استعداد خاص ودراية وخبرة بطريقة البحث التاريخي.
ولماذا نحاول الوصول إلى الحقيقة التاريخية؟ وما الذي نستفيده من دراسة التاريخ؟ لكي نصل إلى نتيجة معقولة، فلنبحث أولاً فيما هو التاريخ؛ فكلمة تاريخ مستمدة من اليونانية بمعنى بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي تسجيل حوادث الإنسان منذ ظهر في الوجود، ومنذ بدأ يترك آثاره ومخلفاته على الصخر وعلى الأرض، حتى الوقت الحاضر. ونحن إذا تصفحنا أي كتاب عام عن تاريخ العالم، نجد أنه يتناول أوجه النشاط الإنساني المتنوعة في الزمن الماضي، فيشرح حوادث الحروب ومشاكل السياسة ومسائل الدين والفن والاقتصاد. . . وهو يحاول بذلك أن يعطي صورة للمجتمع الإنساني في حالة حركة مستمرة؛ وهي