لقد مضى زمن غير يسير انقطعنا فيه عن التحدث إلى القراء عن أطوار الوحدة العربية، وتركنا ذلك البحث القومي الذي بدأناه في العام المنصرم لأسباب قاهرة وهي سفرنا إلى الجزيرة في أقصى تخوم بلاد العرب مما سنتحدث عنه في المستقبل
ولابد لي من القول قبل مواصلة حديثي الماضي عن تاريخ الوحدة العربية من أن أستعرض في هذا المقال التطور الرائع والخطوات السريعة التي خطتها القضية العربية في هذه الأيام القليلة مما يبشر بمستقبل لامع لبلاد العرب، وبأمل باسم لأبناء العروبة، يعيدون به مجدهم التالد، وعزهم الخالد، وأرى لزاماً على أيضاً أن أسجل هنا بكل فخر وإعجاب للذكرى والتاريخ، فضل مصر العظيم على هذا التطور السريع الذي تجتازه القضية العربية في هذا الدور الخطير، فكلما كان لعزيز مصر محمد علي باشا الكبير الأثر البارز في بعث الفكرة العربية، والوعي القومي العربي، واليقظة الوطنية في بلاد العرب حينما حلم بتأسيس إمبراطورية كبرى تضم شتات هذا الشرق العربي، فكذلك قام اليوم رئيس حكومة مصر صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا يدعو لهذه الوحدة، ويعمل لها، ويسعى في سبيل تحقيقها ليل نهار، بدون كلل ولا ملل ليخرجها من الفكرة إلى الواقع، ومن الحلم إلى الحقيقة، بل قل من الظلمات إلى النور
وقد قام لأجل ذلك بمشاورات الوحدة العربية مع سائر دول العرب المستقلة واجتمع إلى أقطاب هذه الدول ورجال حكوماتها المسئولين، واستمع إلى آرائهم في جمع شمل العرب، ولم شعثهم، وضمهم في منظومة دولية واحدة. وكان أول من دعى إلى هذه المشاورات رئيس الحكومة العراقية نوري باشا السعيد في أول مايو عام ١٩٤٣ ثم دعى رئيس الحكومة الأردنية واستقبل بعد ذلك الوفد السعودي، ثم الوفد السوري، وتلاه الوفد اللبناني،