يكثر في الحروب الحديثة ذكر الأوامر المختومة التي تصدر إلى قوّاد السرايا والسفن ليفتحوها عند مدينة معلومة أو بعد مسيرة ساعات أو ف يعرض البحر على درجة معينة من درجات الطول والعرض، إلى أمثال ذلك من العلامات التي تعين بها الجهات.
ويتفق في أمثال هذه البعوث أن يكون القائد وحده مطلعاً على سر البعث أو موصياً به ورجاله جميعاً يجهلونه ولا يعرفون أهم خارجون في غزوة أو في استطلاع أو في مناورة إلى ما قبل الحركة المقصودة بساعات محدودات، وهنالك تصدر الأوامر التي لا بد من صدورها للتهيؤ والتنفيذ، ولا خوف من كشفها في تلك الساعة لصعوبة الاستعداد الذي يقابلها به العدو إذا انكشفت له قبل تنفيذها بفترة وجيزة، ولا سيما إذا كانت الحركة من حركات البحار.
هذه الأوامر المختومة ليست بحديثة.
وقد عرفت في المأثورات النبوية على أتم أصولها التي تلاحظ في أمثالها، ومن ذلك أنه عليه السلام بعث عبد الله بن جحش ومعه كتاب أمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين، وفحواه أن (سر حتى تأتي بطن نخلة على أسم الله وبركاته، ولا تكرهن أحداً من أصحابك على المسير معك، وامض لأمر فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة فترصد بها عبر قريش وتعلم لنا من أخبارهم).
وهذا نموذج من الأوامر المختومة جامع لكل ما يلاحظ فيها حديثاً وقديماً عند بداية الدعوات على التخصيص.
فأولها كتمان الخبر عمن يحيطون بالنبي عليه السلام؛ فلا يبعد أن يكون منهم من هو مدخول النية عينا عليه وعلى أصحابه من قبل قريش، ولا يبعد أن يكون منهم من يبوح بالخبر ولا يريد به السوء أو يدرك ما في البوح به من الخطر المحظور، ولا يبعد أن يكون منهم الضعفاء والمخالفون، والاستعانة على قضاء الحاجات بالكتمان سنة حكيمة من سنن النبي عليه السلام، وهي في حروب الدعوات على التخصيص أقمن بالاتباع.
ومما لوحظ في كتاب النبي لعبد الله بن جحش كتمان الخبر عن أصحابه ووصاته ألا يكره