مما لا ريب فيه أن الأستاذ عبد الحميد جودة السحار في طليعة أولئك الشباب الذين يجاهدون في ميدان الدب القصصي ليخلقوا للقصة المصرية مكانة مرموقة. وقد تفاوت الناجح الذي أصابه في جهاده باختلاف أعماله القصصية الكثيرة. وإن كنت مقتنعاً أن روايته (في قافلة الزمان) تعتبر قمة نجاحه القصصي.
أما قصته الجديدة (النقاب) فلا أستطيعأن أصفها مصاف الأعمال القصصية الرائعة، ولكنهاقصة ناجحة ما في ذلك شك. وقد عالج فيها موضوعاً يتغلغل في صميم النظام الاجتماعي السائد، تناوله غيره من الكتاب بالبحث والدراسة، ولكنه أبدع فيه بما أضفى على القصة من جو نفسي رائع.
وتدور قصة حول شاب في العشرين من عمره ينتمي إلى أسرة فقيرة، وله أبنه عم ثرية، تواضعت أسرتها على اعتبارها خطيبة له منذ صغرهما. ولما كبر ظل كل منهما يمحض الحب لصاحبه، فكلما لاح خيال (علية) في خاطر (حسين) أحس بقلبه يهفو نحوها وبمشاعره تنصرف إليها. وكلما التقى (حسين) بـ (علية) فضحت عيناها ما تنطوي عليه جوائحها من وجد وهيام.
ودارت عجلة الأيام، واشرف حسين على التخرج من كليته - كلية البوليس الملكية - فأخذ ينتابه شعور غريب كلما جمعه مجلس بعلية. شعور مزيج من الضعة والهوان، والضيق والاشمئزاز. ولم يكن يفقه لهذا الشعور سبباً، بل كان يرغب رغبة صادقة في التحرر من ربقته. فقد كانت العناية التي يلقاها من بيت عمه، والمحبة التي يغمره بها أعضاء الأسرة من صغيرهم إلى كبيرهم، حرية بافتراع عواطف الحب من قلبه. ومبادلة الأسرة العطوفة وداً بود، ومقاسمة عليه مشاعرها الصادقة. ومع ذلك فقد ظل خيال عليه يراوده في أحلامه ويثير في قلبه العواطف المتقدة. وتفاقم نفوره من علية، وتأججت بيم جوانحه ثورة على القدر المسطور له في كتاب الزواج، فلماذا يتخذ من علية زوجة له نزولا على إرادة أبيه وعمه بينما أمحت صورتها من قلبه؟!
ثم ألقى نفسه ينحرف في حب فتاة التقي بها في بيت عمه، وإذا بها تستحوذ على مشاعره،