للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من الإسكندرية إلى ديروط]

للأستاذ أنور الجندي

جمعت في خلال إجازتي بين سفرين؛ كلاهما أبعدني عن القاهرة. فسافرت إلى الإسكندرية ثم عدت إلى ديروط؛ فكأنما ذهبت إلى أقصى الشمال حتى شارفت البحر الأبيض. . ثم قصدت إلى الصعيد الأوسط حيث قضيت أياما في البلد التي ولد على ضفافها حافظ إبراهيم شاعر النيل.

وفي كلتا الرحلتين متاع كبير، ومتاعب كثيرة. . .

أما في الإسكندرية فقد التقيت بصفوة الناس، وتغلغلت في الطبقات الميسورة التي لان لها العيش وأتيح لها أن تأخذ بأوفى حظ من المتاع. . فهجرت القاهرة والأقاليم، وأقلعت إلى الساحل تأخذ أكبر قسط من الهواء والماء. . ومن متاع النفس والجسد

رأيت المجتمع المصري في صورة الحرية المطلقة. وقد تجرد الرجال والنساء على وجه أهله البحر وحرمه الدين؛ وأعطى كل من الجنسين لنفسه الحق في أن يذهب حيث شاء. إن شاء أمضى يومه أمام الكابين. أو تحت المظلة. أو سابحا في الماء. . .

ورأيت صورة الهدى وهي تختلط في صورة الضلال. . . فلا تكاد تفصح إحداهما عن نفسها أو تتبدى واضحة جلية، وأشفقت من المصير الذي ينتظر هذه الجماعات وقد منحت أنفسها ما تهوى وما تحب دون أن تجعل للعرف أو للتقاليد أو للدين حسابا معلوما أو حقا مفروضا. . .

ومن العجب أن تقوم مسارح الفتنة والجمال على شاطئ البحر بين مقامين كبيرين لرجلين من أعظم رجال التاريخ والتصوف هما: ابن جبير الأندلسي الرحالة الذي طاف الشرق وقدم من المغرب ومات في الإسكندرية.

وبشر الحافي الصوفي العراقي الذي أثر عنه الزهد والعلم والورع ولكل منهما مسجده الضخم القائم في قلب المنطقة الآهلة بالمصيفين ورواد الكابينات؛ والذاهبين إلى البلاج والعائدين منه وبينما تذهب آثار الرجلين في بطون التاريخ فلا يذكرهما ذاكر إلا القليل من الباحثين والعلماء، يبسط الله في اسميهما؛ فيكتب في تذاكر الأتوبيس والسيارات، وينادى به الحمالون والسائقون، ويجرى على ألسنة المسافرين والعائدين. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>