العمر الضائع بين المداراة والرياء - الأندية الصحفية - نادي المعارف - الإذاعة اللاسلكية - إذاعة وزارة المعارف.
العمر الضائع
هو عمري وأعمار أكثر الأدباء في الشرق، فأعمارنا تضيع بين المداراة والرياء، ومن أجل هذا يقل في أدبنا ذلك الجوهر النفيس: جوهر الصراحة والصدق. ومن أجل هذا أيضاً يقل السائلون عنا والراغبون فينا، لأنهم يعرفون أنهم لن يطلعوا على أفق جديد من آفاق القلوب والعقول حين يقرءون ما نطالعهم به من حين إلى حين.
أقول هذا وقد وأدت صفحتين كتبتهما بالأمس، صفحتين صورت بهما من عزفت من الوزراء وتصويراً يعين بعض الملامح من تاريخ العصر الحديث.
ومن أعجب العجب أن نعجز عن قول الصدق، حتى في الأحوال التي يكون فيها ذلك الصدق خيراً محضاً، لأن الجمهور الذي نعاصره يتأذى من الصدق الذي يسر أكثر مما يتأذى من الصدق الذي يسوء. وإنما كان الأمر كذلك لأن هذا الجمهور لا يرضيه أن يكون الصدق وسيلة لتوكيد بعض الحقوق التي غنمها بعض الناس بصدق الجهاد.
ويجب أن نسجل أن النوابغ في الشرق لهذا العهد لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه بفضل تشجيع الجمهور أو تشجيع الوزراء والأمراء، فما نبغ نابغٌ في الشرق لهذا العهد إلا بقوة ذاتية حَمَته وعصمتْه من كيد المخذِّلين والمعوِّقين، فهم كالأشجار التي تنبت في الصحراء ثم تصير بواسق برغم الظمأ والأعاصير.
وهنا تظهر العلل الأساسية لغضب الجمهور من الصدق الذي ينفع، هنا يظهر السبب في أن الفضل أصبح من أكبر الذنوب، لأنه من صور الانتصار على الجمهور، والمنتصر لا يقابَل بغير الموجِدة والغيظ. وهل كانت شماتة الناس بالمغلوبين إلا تعبيراً عن هواهم الدفين في أن تدول دولة القوة والتفوق؟
فالذين يغضبون من الصدق المؤذي لا يغضبون لمن آذيت، وإنما يغضبون عليك، لأنك ملكت من القدرة أكثر مما يملكون، وكانوا يتمنّون لو كان إليهم المرجع في القدرة على