إصلاح الأزهر كلمة تناقلتها الأفواه منذ استهل هذا القرن. وكان المطالبون به يومئذ كالمطالبين بالدستور، أمامهم خاصة لا تريد ووراءهم عامة لا تعي. والشأن في إصلاح الدين عن طريق الأزهر، غير الشأن في إصلاح الدنيا عن طريق البرلمان: إصلاح الحكومة زعامة يقوم بها فرد قوي أو حزب كبير، وإصلاح العقيدة إمامة لا يضطلع بها إلا رجل عمله سنة وقوله حجة ورأيه فتوى. وكان الإمام الذي دعا هذه الدعوة أول الناس عسا أن ينهض بهذا الإصلاح لولا أنه كان من سياسة القصر على حد منكب. والجامع الأزهر وقصر الخلافة بناهما جوهر الصقلي من حجر واحد في آن واحد! لذلك استطاع الخديوي أن يخفت صوت المفتي في جلبة شانئيه ومناوئيه من كبار الشيوخ. ولكن دعوة الإصلاح الديني كانت من مخلفات الأستاذ الإمام فحرص عليها مريدوه، وتظاهر بها مقلدوه، فكانوا يديرون بها ألسنتهم بين الحين والحين تشبها بالإمام أو تنزها عن الجمود، حتى انفجرت مسافة الخلف بين قديم الأزهر وجديد العصر، فلم يكن بد من شعور الأزهريين بتخلفهم عن ركب الحياة؛ فجأروا بالإصلاح، وانضووا إلى لواء المراغي في مشيخته الأولى، ورسمت خطة الكفاح للإصلاح. ولكن أولي الأمر لم يباركوا هذه الحركة، فطوى اللواء وعزل القائد وتفرق الجند. ثم أخذ الأزهر بنمط من الإصلاح عجيب: جدد في الشكل دون الموضوع، ولها بالقشر عن اللباب، وعني بالكم لا بالكيف، وامتحن في المقروء لا في المقرر؛ وكاد الأزهر مملا من هذه المعامل الثقافية همه أن يخرج لا أن يخرِّج. وضج الغير حفاظا على أقدم الجامعات وأقدسها فطالبوا بإصلاح الإصلاح. وكان الذي تولى زعامة هذه المعارضة الشريفة الإمام عبد المجيد سليم.
فلما تغيرت الأوضاع واتسقت الأمور وعاد الإمام المراغي إلى مشيخة الأزهر انتعش ما ذوي من الأمل، وقال الناس إن الوسائل قد تهيأت كلها لخليفة الإمام ليصلح الأزهر؛ فالقصر يسنده، والحكومة تعضده، والأمة تؤيده، والأساتذة والطلاب يلقون إليه المقادة ويحملونه الأمانة، والشيخ عبد المجيد وشيعته يخلصون له النصح ويشاركونه التبعة. ولكن المراغي لأمر يعلمه الله أراد أن يكون صاحب سياسة، فاستحب المداراة وآثر العافية.
وبقي الأزهر في انتظار المصلح، تتعارض في جوفه التيارات المختلفة، وتتناوح على سطحه الرياح النكب. وكان هذا المصلح المنتظر قد هيأه الله بالفطرة، وجهزه بالعدة،