إن أول واجبات الصحافة هو أن تظفر بالأخبار الصحيحة عن مجريات الأمور في أقرب وقت مبكر. وأن تذيعها على الفور فتصبح وهي بين يدي الجمهور ملكا مشاعاً للأمة. أما رجال السياسة من الوزراء وغيرهم فانهم يجمعون أخبارهم في غير علانية وبطريقة سرية ويحتفظون في حيطة مضحكة حتى بأخبار اليوم إلى أن تتغلب يقظة الصحافة على حذر السياسة في ميدان النشر. وقوام حياة الصحافة منوط بما يتهيأ لها أن تظفر به في ميدان الإذاعة والنشر. ومهما كان شأن ما يذاع على الناس تحت لوائها فلسوف يصبح جزءاً من ثقافة زمننا وتاريخه. والصحافة وهي تؤدي رسالتها تحتكم كل يوم وإلى الأبد إلى سلطان العقول المنثورة في الرأي العام. وإذا كان لزاماً عليها أن تتعقب سير الحوادث وتسبق الزمن فتتنبأ بما سيكون من أمرها، فقد تعين عليها أن تقف عند مفترق الطريق بعين الحاضر والمستقبل وأن تبسط ميدانها ليمتد إلى أفاق العالم.
أما واجب السياسي فعلى النقيض من ذلك تماماً، إذ يحرص على أن يخفي عن عين الرأي العام المعارف التي ينظم بها أعماله ويكون منها أراءه. وهو يحتفظ برأيه في مجريات الحوادث، ويتباطأ في الإدلاء بها إلى أبعد وقت يتهيأ له لغة السياسة. وهو إذا ما رجح عقله ونبلت أغراضه يجعل نفسه على خدمة المصالح الحقيقية لبلاده، أو المصالح التي من شأنها أن تؤثر على بلاده تأثيرا مباشراً. وهو لا يخاطر فيتهور في حدسه وتصويره للمستقبل؛ وهو يركز في صفقاته جمع تلك القوى التي تحاول الصحافة أن تذيع أمرها على العالم. فواجب إحدى القوتين إذا هو أن تفصح وتتكلم، وواجب الأخرى أن تلازم وتتحرز. وإحداهما تبرر منهجها وتزكي صنيعها عن طريق التحليل والجدل، والأخرى تظفر بسلطانها بكفاية من اليقظة والعمل. وإحداهما توجه عنايتها في الغالب من أمرها إلى الحق