كتب أستاذ فاضل بتوقيع (قارئ) كلمة في باب البريد الأدبي من العدد ٣٥٠ من الرسالة، جاء فيها عدة أسئلة إليَّ بخصوص بعض ما استشكل عليه فهمه في مبحثي (عام الفيل وميلاد الرسول) المنشور بالعدد ٣٤٨ من الرسالة. والذي أراه أن الروم (البيزانس) كانت معرفتهم ببلاد العرب نظرية، ومن هنا كانت الخطة التي وضعها إمبراطور هم جوستنيان مع قواد جيشه بارعة، كخطة تجري على خريطة الشرق الأدنى. فقد كان هو سيقوم بمهاجمة تخوم فارس المتصلة بحدود إمبراطوريته في الوقت الذي يتعرض قيه حلفاؤه الأحباش بقوات جسيمة من الجنوب الغربي لفارس، فيضطر الفرس أمام هذا الهجوم المزدوج أن يقسموا قواتهم، فيخيف مجموعهم أمام الروم، ويتمكن هؤلاء من ضربهم الضربة القاصمة التي تقضي على نفوذهم خارج بلادهم
وهذه الخطة لو رجعت بها إلى (الخريطة) لوجدتها سهلة، تدل على براعة؛ ولكن كل قيمتها تضيع حين تخرج للتطبيق، فتصطدم بعالم الواقع، لأن الوضع الاستراتيجي لفارس إزاء الحبشة لا يجعل مجالاً لهجوم كبير عليها، سواء عن طريق البحر بالتعرض للخليج الفارسي، أو عن طريق البر بمهاجمة التخوم الفارسية من جهة العراق العربي. ففارس تبعد عن الحبشة بحراً مسافة تتراوح بين ٢٠٠٠ و٢٥٠٠ كيلومتر، كما أنها تبعد مسافة ١٠٠٠ كيلومتر وأكثر براً من اليمن قاعدة الأحباش في بلاد العرب. ونجاح حملة عسكرية على فارس تهاجمها من جهة البحر، تحتاج على أقل تقدير إلى مائة ألف مقاتل، وبالتالي إلى أكثر من ألف سفينة تنقلهم إلى الشواطئ الفارسية. ولم يكن الروم ولا الأحباش ولا الاثنان مجتمعين يمتلكون مثل هذا الأسطول الضخم في البحر الأحمر والمحيط الهندي. ومن هنا كانت فكرة مهاجمة فارس بحراً غير ممكنة. ولا تناقض في هذا القول مع القول بنقل الروم بأسطولهم الصغير في البحر الأحمر قوات الأحباش إلى اليمين، وهي قوات لم تزد على بضعة آلاف تقدمت لسواحل اليمن واحتلتها، وبقيت تنتظر تجريدات وإمدادات أخرى، كان هذا الأسطول الصغير يقلها من الحين للحين، من الساحل الإفريقي المواجه لليمن، إلى اليمن. ولا شك عندي أن اليمن لو كانت متحدة، ولو لم يكن النزاع يأكلها