للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأستاذ فارس الخوري أو عبقرية البيان]

للأستاذ عباس محمود العقاد

نكتب عن عبقرية البيان عندما نكتب عن الأستاذ الجليل فارس الخوري مندوب شقيقتنا سورية في مجلس الأمن، لأن الرجل ولا شك من أصحاب هذه العبقرية في طرازها الرفيع، ومن فرسان ميدان الخطابة في عالم السياسة وفي عالم الثقافة على الإجمال.

وعبقرية البيان معادن وألوان يعلو بعضها فوق بعض درجات.

فهي على صورتها الشائعة لا تعدو أن تكون ذرابة في اللسان وانطلاقاً في القدرة على مجرد الكلام.

ولكنها إذا بلغت ذروتها العليا لم يغنها هذا الزاد وحده من ازوادها الكثيرة، ومنها ملكة التعبير الصحيح، ونصاعة الحجة، وحضور البديهة في مواقف الارتجال، والإتيان بجوامع الكلم في مواضعها، لقوة التوفيق بين المعاني الراجحة والألفاظ الواضحة، أو قوة التوفيق بين الفكر واللسان.

وكل ما قرأناه من كلام الأستاذ الجليل، أو قرأناه من الكلام عنه، يدل على هذه العبقرية في أرفع طراز عُرف به خطيب من خطباء هذا الزمان.

فاقتياد أعنة الكلام - ولو في لسان غير لسانه العربي - سليقة فيه منذ صباه إلى أيام كهولته - أو شيخوخته - التي نسأل الله أن يبارك فيها.

كتب عنه زميله الكبير الأستاذ خليل ثابت بك فقال إنه لم يكن يعرف التركية فتعلمها بعد إتمام دراسته وملك ناصيتها حتى استطاع أن يخطب بها في المحاكم وفي المجالس النيابية، ولم يكن يعرف الفرنسية فتعلمها بعد أن جاوز الخمسين وأصبح من خطبائها المعدودين. وهذا عدا الإنجليزية التي تعلمها في أيام دراسته بالجامعة الأمريكية في بيروت.

والبديهة الحاضرة في الأجوبة المسكتة ملكة لازمة من ملكات هذه العبقرية، وهي عنده على قسط واف في مقام الجد ومقام الفكاهة.

روى عنه تلميذه الأستاذ على الطنطاوي في مقال كتبه بالرسالة أن تلميذاً من تلاميذه في كلية الحقوق سأله يوماً: ما فائدة هذه الحروف اللثوية، ولماذا نقول ثاء، وظاء، فنخرج ألسنتنا ونضطر إلى هذه الغلاظة؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>