أحسن يوسف وهبي صنعاً بما ادعى لنفسه من صفة المؤلف فوق ما حظي به في الواقع من صفة الممثل. وقد كان من جميل حظه أن ظلت حقيقة رواية (المجنون) - التي افتتح بها مسرحه - خافية على الجميع من جمهور ونقاد أعواماً طويلة حتى عرضت رواية (وثيقة الطلاق) التي ظهر فيها جون باريمور في دور المجنون، وكاثرين هيبورن لأول مرة في دور ابنته، وحينئذ فقط عرف أن (مجنون) يوسف ليس إلا مجنون (وثيقة الطلاق)!
على أن يوسف كان قد ربح الكثير من هذه الصفة التي ادعاها لنفسه، والتي جعلته في نظر قومه مؤلفاً وممثلاً في عصر عز فيه المؤلف، ومع أن (المجنون) لم تكن الرواية القوية بالمعنى المفهوم إلا أنها كانت شيئاً جديداً وغريباً، وكما استرعى يوسف الأنظار في منولوج الجندي الجبان (متشكو) كذلك كان شأنه في دور المجنون، وهو ينجح في هذه الأدوار الشاذة التي تتطلب غرابة في الأطوار وشذوذاً في الطباع.
وليس من غرضنا أن نتحدث عن رواية المجنون أو عن غيرها من الروايات حديثاً مستفيضاً، وإنما أردنا بالحديث عنها أن نطلع القارئ على جانب من جوانب شخصية يوسف، وعلى سبب من الأسباب التي جعلت النقاد يهاجمونه بشدة ويعملون للقضاء عليه، ذلك أنهم استبعدوا أن يكون يوسف مؤلفاً، ولروايات أجنبية على الخصوص! ومع أنهم لم يستطيعوا في الوقت المناسب استكشاف حقيقة (المجنون)، إلا أن غريزتهم السليمة حملتهم على إنكار ما ادعاه يوسف لنفسه، وعلى إساءة الظن بزعيم النهضة المسرحية منذ البداية.
ومن بعد المجنون أخرجت (الشياطين السود)، وعلى ما أذكر حضر هذه الرواية بعض الوزراء والعظماء، ولما كانت النهاية فيها محزنة، فقد خطر ليوسف أن يقوم بتعديلها