أوشكت عشر سنوات أن تنقضي على وفاة الشاعر الكاتب فخري أبو السعود على اثر محنة لم تمله حتى أسلمته إلى يد الردى، فقصفت شبابه الغض، وترك هذين البيتين أولهما لزهير والآخر للمتنبي:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعيش ... ثمانين حولا لا أباًلك يسأم
وإتى لمن قوم كرام نفوسهم ... ترفع أن تحيا بلحم وأعظم
وهذه الثلاثون التي سئمها فخري كانت حافلة بحياة أدبية ممتازة أن لم تكن نادرة، فقد تخرج - رجمه الله وغفر له في مدرسة المعلمين العليا، ونجح في مسابقة وزارة المعارف فبعثته إلى جامعة اكستر بإنجلترا، وتوفيت أمه فرثاها بقصيدة دامعة نشرتها مجلة (الأيام) ولم يكن يعلم بنشرها لولا أن قدمتها إليه ذات عشية التقيت به فيها بداره في شتاء سنة ١٩٣٨.
وعاد فخري إلى الوطن وقد اختار زوجته من إحدى زميلاته الإنجليزيات، وانجب منها ولدين. وأقام في منزل وادع برمل الإسكندرية، وسافرت قرينته إلى وطنها تزور أهلها ومعها ولداها. فلما شبت نار الحرب، واستهدف إنجلترا للغارات، كان الولدان من بين أطفال الإنجليز المرحلين إلى أمريكا فغرقت بهم السفينة جميعاً. أما زوجه فقد حبستها الحرب عن اللحاق به في مصر.
وفي صيف سنة ١٩٣٩ التحق فخري بجامعة (جرينوبل) في دراسة صيفية خاصة، وفي نيته أن يلقى زوجه هناك، ولكنه عاد ولم يتمكن من لقائها هناك.
كان فخري محباً للرياضة ولا سيما (التنس)، ومغرماً بالسير على الأقدام على شاطئ البحر في هدأة الفجر، ونأمة السماء، وكان من رواد السينما إذا كان بها فلم يتفق مع ثقافته وهواه. خرج ذات يوم من عرض سينمائي وهو حانق على الأجانب لاستهجانهم موكباً وطنياً جاء في الجريدة الناطقة، فالتهبت له اكف الجماهير، بالتصفيق، فكتب فخري في (الرسالة) قصيدة تفيض بالوطنية قال منها:
أفم صاغراً وأرغم حياتك وشقها ... فإنك مصري وانك مسلم