العقاد رجل متعب بالقياس إلى النقاد وبخاصة في كتاب (عبقرية محمد)، فالناقد لا يحس بلذة عمله إلا حين يجد مجالاً لمشاركة المؤلف في عملية الإنشاء والخلق. حين يجد مجالاً لمناقشة الفكرة، والزيادة عليها في بعض الأحيان، أو التعرض لها من زاوية غير التي تعرض لها المؤلف. . . وبالإجمال حين يجد له عملاً آخر بجانب المؤلف غير مجرد الاستعراض
والعقاد - وبخاصة في كتابه الأخير - يحرم الناقد هذه اللذة، ويكاد يقعده عن الكتابة. . . وما جدوى أن يكتب الناقد ليقول:(هذا جيد. . . وهذا جيد كذلك. . . وهذا كذلك جيداً أيضاً!) حتى ينتهي من صفحات الكتاب وفصوله، وهو يكرر جملة واحدة أو ما في معناها؟ إنها إذن تحية وليست نقداً كما يشاء النقاد!
الرجل موهوب - هذا ما لا شك فيه - ثم هو لا يقنع بهذه الهبة الضخمة - كما يقنع مع الأسف كثير من شبابنا المتطلعين إلى الشهرة في هذه الأيام لمجرد إحساسهم بنوع من الهبة الطبيعية - إنما هو كذلك قارئ عظيم، وقارئ يعرف كيف يقرأ وكيف يفيد من هذه القراءة؛ قارئ يحس أن القراءة وظيفة له في هذه الحياة، لا يجوز أن تعوقه عنها وظيفة أخرى، حتى وظائف كسب العيش، ووظائف الخدمة العامة
ومن الموهبة الضخمة والقراءة الكثيرة، كان هذا الذي يلاقيه الناقد من العنت والتعب حين يتعرض لأدب العقاد ولنثره خاصة، فشعره لإجماله ولأنه تعبير عن النفس الإنسانية، فيه مجال للشرح والتحليل واستخلاص ملامح النفس من خلاله، وفي هذا كله إرضاء لشعور الناقد، وإشعار له بأنه يعمل شيئاً بجوار الشاعر!
جالت في نفسي هذه الخواطر وأنا أقرأ كتاب (عبقرية محمد) للمرة الثالثة، عسى أن أجد ما أقوله غير (هذا جيد، وذاك جيد؛ وذلك كذلك جيد. . .) ثم عدت لأرى أن الاستعراض أسلم