قررت جامعة الدول العربية مقاطعة الصهيونية، أو إنتاجها على الأصح، وكان القرار بالإجماع، وليس للجامعة أداة تنفيذية، وإنما أداتها الحكومات الداخلة فيها، فكل حكومة تنفذ قرار الجامعة، بوسائلها الخاصة، التي تسمح بها قوانينها ونظمها وأحوالها، والوسائل ميسرة وعديدة، منها على سبيل المثال الحواجز الجمركية التي يمكن أن تقام في وجه الصادرات الصهيونية من فلسطين لمنعها من دخول البلاد العربية؛ ومنها كذلك منع إصدار المواد اللازمة للصناعات الصهيونية، إلى فلسطين، مثل الرمل من سورية، فإنه يدخل في صناعة الزجاج ولا غنى بها عنه؛ ولا خسارة على سورية من هذا المنع، لأنه يسعها أن تصدره إلى مصر، وفيها كما هو معلوم، صناعة عظيمة للزجاج، ومثل الأبقار العراقية التي يستوردها الصهيونيون، وينتفعون بلحمها وجلودها، فإن بمصر حاجة إليها، الخ الخ.
والأمر، كما قلنا مرة من قبل، في هذا الموضع من الرسالة، يحتاج إلى تنظيم - تنظيم أمر المقاطعة، وتنظيم التعاون بين الدول العربية لسد النقص وتعويض الخسارة، في البداية.
ونقول (في البداية) لأن الإنتاج الصهيوني كان قد غزا الأسواق العربية مغتنماً فرصة الحرب وانقطاع الواردات الأوربية أو قلتها، وشراء مادة من السوق أيسر مطلباً من صنعها، ولكن الحرب وضعت أوزارها، وزالت الصعوبات التي كانت مقتضيات الحرب قد أقامتها في طريق التبادل التجاري بين البلاد العربية، ففي وسع كل بلد أن يستورد من البلاد الأخرى ما ينقصه ويحتاج إليه، للاستهلاك أو للصناعة، وأحر بهذا أن يساعد على قيام صناعات شتى كانت متعذرة في أيام الحرب، وفي هذا خير كثير للبلاد العربية، حتى بغض النظر عن الصهيونية ومكافحتها، وإنها لفرصة ينبغي أن تغتنم، فإن في كل بلد من بلادنا العربية موارد وخيرات عظيمة، وقد لا تكون كل دولة من دولنا قادرة بمفردها على استغلال هذه الموارد الطبيعية على خير وجه، ولكن الأمر يكون أيسر وأقرب منالا إذا تعاونت على ذلك فيما بينها، فتفوز بالحُسنيين: تكفي نفسها حاجاتها وتمنع أن تضطر إلى وَكْل هذا الاستغلال للأجانب الذين يخرجون بالخير كله، ولا يخرج أهل البلاد بأكثر من أجرة الأجير.