وكانت فتاة شاحبة ذات عينين كبيرتين شاعريتين، تطل منهما نفس حزينة متألمة، تارة تحلق في السماء تدعو الله اللطيف وتصلي له، وتارة تنظر إلى المصحة التي اجتمعت فيها أمراض وأحزان وأماني؛ وكانت تجلس فوق مقعد منفرد في زاوية منعزلة في الحديقة الصينية التي تكسبها التماثيل البوذية والظُّلات والرابية الكبيرة ومساقط المياه ذات الخرير جلالاً ورونقاً وهدوءاً يشبه موسيقى الأرواح الباكية التي ترفرف أبداً في سماء تلك المصحة الرحيمة.
وكانت الفتاة تسبل فوق رأسها شُفوفاً من الحرير البنفسجي تداعبه نسمات الحديقة كلما هبت رُخاءً في ناحيتها. . . ولكنها تركت السماء كلها، بما تفيض به من رحمة ولطف، واتجهت بكل روحها إلى نافذة بعينها في المصحة، وراحت تحدق فيها تحديقاً شديداً، ثم أخرجت من (شنطته) منديلاً صغيراً وضعت فيه لآلئ غالية كانت أوشكت تنهمر من عينيها.
وكانت الشمس قد آذنت بغروب، وكانت تصب ذهب أشعتها على نوصي التماثيل الرائعة، ولكنها كانت تصب أكثر هذا الذهب على ناصية بوذا الأكبر كأنها تستهزئ به، لأنه إله من حجر! وكانت ألف فكرة تزدحم في رأس (سِهام) كلما تقَشَّعت الشمس قليلاً قليلاً عن رأس لتمثال، فتبتسم ابتسامة ساخرة. . . وتخفي دمعة كبيرة في منديلها الصغير.
وأقبلت جارية (حبشية) فحّيت لفتاة، وأشارت إليها سهام فجلست عند طرف المقعد المنفرد المصنوع من جريد النخل. . .