للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مكتبتي]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

مكتبتي شيء عظيم جدا ً - ولست أعني إنها كبيرة ضخمة، وإن في خزاناتي آلافاً مؤلفة من المطبوع والمخطوط، فما عندي مخطوط واحد، ولا ولوع لي بجمع هذا الضرب من الكتب، وما يمكن أن تبلغ كتبي الآلاف بعد أن احتجت أن أبيع منها مرات، وإني لمجنون بالكتب، ولكن جنوني بما فيها لا بأشكالها وألوانها على رفوفها. وقد اعتدت ألا أبالي أن يبقى الكتاب عندي بعد أن أقرأه أو أن يذهب، ولم أكن كذلك، ولكن المرء مما تعود. على أنه سيان أن أتحفظ بالكتاب وأن أبيعه كما اشتريته، أو أهبه، فما إلى الوصول إليه سبيل في هذه الخزانات، ولأهون عليّ أن أشتري منه نسخة أخرى من أن أهتدي إلى موضعه وأعرف أين اختبأ. ومتى كان هذا هكذا، فما حرصي على كتاب يحاورني ويهرب مني وأنا أدور بعيني على الرفوف؟؟ وليس أثقل عليّ، ولا أشقّ على نفسي من الإقامة في بيت واحد زمناً طويلاً، ولو وكل الأمر لاختياري لاتخذت كل يوم بيتاً، ولكن الكتب راضتني على السكون وردتني على مكروهي، فأنا الآن كالمقعد لا أكاد أتحول، إلا أن أحمل على انتقالي حملاً؛ ذلك إني كلما سكنت بيتاً أروح أتخير للكتب أوسع الحجرات وأكثرها شمساً وهواء، ثم أقول دعوا الصناديق والغرارات حتى افتحها وأخرج ما فيها وأرتبه بنفسي، فتترك شهوراً، تنقلب الحجرة في خلالها مزبلة، فيتبرم أهلي ويلحون عليّ على أن أفرغ الصناديق،

فأقول: (لا بأس. موافق)

فتسألني زوجتي: (ومتى تفعل؟)

فأعدها خيراً، فتلح عليّ، فأؤكد لها إني فاعل ذلك غداً إن شاء الله

فتقول: (إن شاء الله معناها عندك إنك لن تفعل أبداً)

فأقول: (أستغفر الله يا امرأة! إن شاء الله يعني إن شاء الله، أليس كذلك؟)

فتقول: (ولكني أريد تنظيف الغرفة! ألا ترى هذا التراب؟)

فأقول: (صحيح! كثير) لأني أحب أن أقرأ بالحق وأكره المكابرة، فتهمل الثناء على ذلك وتقول: (وهذه الصراصير؟ والفئران؟ لا. لم يعد هذا بيتاً يسكن)

<<  <  ج:
ص:  >  >>