قد لا يكون هذا الموضوع الذي أعالجه وثيق الاتصال بالموضوعات الأدبية والعلمية التي اعتاد كتاب الرسالة أن يطالعوا بها قراءها. ولكني مع ذلك لا أتردد في أن أرسل بمقالي هذا إلى الرسالة. فان مسألة الامتيازات الأجنبية أصبحت في هذه الأيام من أكبر المسائل خطراً وأشدها تعقداً. والرسالة تتسع جوانبها لكل مسالة تشغل الرأي العام.
وما بي أن أعالج الامتيازات الأجنبية من نواحيها المألوفة: الامتيازات جائرة، لا يتفق أصلها التاريخي مع حقيقتها الواقعة، لا يصح أن تستسيغها أمة لها حظ من الكرامة، لا يجوز التواني عن المطالبة بإلغائها، بل هي قد سقطت بتغير الظروف طبقاً لمبادئ القانون الدولي المعروفة. كل هذا أصبح معروفاً مستقراً في الأذهان. وإنما يعنيني أن أتلمس سبيلا عملياً إلى التخلص من هذه الامتيازات.
وإنه ليبدو لي ضرورياً أن تكون للحكومة المصرية خطة مرسومة للتخلص من الامتيازات الأجنبية. أما ترك الأمر للظروف فليس بمنتج شيئاً ولا يتفق مع ما لمسألة لا تقل في الأهمية عن مسألة الاحتلال الإنجليزي للبلاد. فالتخلص من الاحتلال مع بقاء الامتيازات لا يفيد كثيراً، إذ نبقى مقيدين في أهم مقدمات السيادة الداخلية للدولة: التشريع والقضاء والإدارة. فلا يصح إذن في مسألة لها هذه الأهمية أن نترك أنفسنا تسوقنا المصادفات وتسيطر علينا الحوادث. ولقد شاءت المصادفة أن يتنحى رئيس إحدى الدوائر في محكمة مصر المختلطة عن نظر أحد القضايا، فترتب على هذا التنجى هذه الأزمة الحالية التي لا نزال نخوض غمارها وإني لأخشى، ونحن نعتمد على المصادفات، أن ننصرف عن هذه المسألة الحيوية بمجرد انتهاء المناسبات التي دعت إلى الاشتغال بها. فكم سبق هذه الأزمة أزمات شغلت الرأي العام قليلاً أو كثيراً، ثم ما لبث أن انصرف عنها، ولم يعد يذكرها، حتى تقوده المصادفة المحضة للعودة إليها. ثم إني لأخشى أن تقتصر الحكومة المصرية في