عرفت فضل النظام الملكي ومزيته في ليلة صيفية كان هذا الموضوع آخر ما أتوقع فيها أن يجري لي في خاطر. وكنا نحو عشرين - ما بين كبار وصغار، ورجال ونساء، وشيب وأطفال - خرجنا في أربع سيارات إلى الصحراء - صحراء مصر الجديدة - ومعنا الطعام والشراب والسجاجيد والوسائد والأواني والأوعية وسائر ما يحتاج إليه مثلنا في مثل هذه الرحلة، إلا الأكواب فقد نسيناها على فرط حرصنا على تذكرها، فاضطر أحدنا أن يعود بالسيارة إلى حيث مساكن الأحياء ليشتري لنا كفايتنا من هذا الذي نسيناه. وفرشنا السجاجيد وأخرجنا الوسائد والحشايا وصففنا الأطباق ووزعنا الفوط والأشواك والملاعق والسكاكين - فقد أبى أكثرنا إلا أن يكونوا من أبناء المدنية وإن كان أصل الفكرة أن نجعلها ليلة (بوهيمية) وأن نطلق النفس على السجية وننفي التكلف - وشرعنا نأكل ونسمر ونضحك ونلعب ونتخاطف الطعام والشراب ويجري بعضنا وراء بعض. وكنت جالساً على حافة السجادة وساقاي ممدوتان أمامي - كأنما يمكن أن أمدهما ورائي! - وظهري إلى مؤخرة إحدى السيارات فأن إحدى ساقي مهيضة فليس في وسعي أن أجلس كما يجلس خلق الله. فأقبلت عليّ إحدى الفتيات وأراحت كفها على كتفي وقالت:(ولكن كيف نسينا الأكواب؟)
فهززت كتفي التي عليها راحتها - فقد كان الجو حاراً - وقلت:(وهل أنا أعرف؟)
فأبت إلا الإلحاح وقالت:(ولكنك كتبت كل شيء في ورقة وراجعت كل شيء على ما فيها؟)
فقلت بإيجاز:(صحيح)
فقالت:(إذن كيف حدث هذا؟. . لابد أنك تعمدت. .)
ولم تتمها فقد صاحت إحدى الفتيات في هذه اللحظة:(الملك فاروق!)
وإذا بالقاعدين والمضطجعين جميعاً يثبون إلى أقدامهم كأنما شكهم جميعاً حديد محمي، ولولا ساقي وصعوبة هذه الحركة المباغتة عليها، لكنت وثبت كما وثبوا، فإن للجماعة عدواها، وصارت كل يد على أقرب كتف، وجعلت العيون تدور في كل ناحية، والألسنة