للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نظرية الاستقلال القومي وتطبيقها على التاريخ]

[المصري]

للأستاذ محمد عبد الله عنان

أشارت إحدى الصحف الإنكليزية الكبرى أثناء حديثها أخيراً عن الشؤون المصرية، إلى نظرية تاريخية قديمة ترددها ألسنة الاستعمار في كل مناسبة، وهي أن مصر لم تكن مستقلة في أي عصر من عصور تاريخها. وترمي ألسنة الاستعمار بترويج هذه النظرية إلى غرض واضح، وهو أن مصر التي لم تتمتع خلال هذه الآماد الطويلة من تاريخها بنعمة الاستقلال والحرية، ليست جديرة بأن تتخذ مكانها بين الأمم المستقلة، وأن حكم التاريخ يقضي عليها بأن تكون دائماً مسودة دائماً لغيرها من الأمم القوية؛ فلماذا لا تكون إنكلترا هي الدولة التي تنفذ على مصر حكم التاريخ الخالد؟ ولماذا تحاول مصر أن تغالب قدرها، وطبيعتها كأمة استعبدت مدى الأحقاب تنافي طبائع الحرية والاستقلال؟

وهذه نظرية باطلة بلا ريب، يهدمها حكم التاريخ النزيه الحق؛ ولكنها أيضاً نظرية خطرة؛ وترويجها في العالم المتمدن يضر بالقضية المصرية ضرراً بليغاً، ويسيء إلى تراث مصر التاريخي، وإلى سمعتها كأمة ناهضة تطمح إلى تحقيق استقلالها. ومن الأسف أن هذا القول الباطل في تصوير التاريخ المصري، يروج لها في مصر ذاتها، ويتأثر به الكثير ممن يطغي على أذهانهم وعواطفهم سيل الثقافة الأجنبية، ولا يعرفون شيئاً من تاريخ بلادهم. بل من الأسف أن هذه النظرية الاستعمارية الخطرة، ما زالت تمثل في تعليم التاريخ في بلادنا وفي معاهدنا، لأن برامج التعليم الرسمية ما زالت بعيدة عن التحرر من أغلال المؤثرات الأجنبية، بعيدة عن رعاية النواحي القومية.

ولهذا نرى أن نعرض بهذه المناسبة إلى بحث هذه النظرية لنرى حظها من التطبيق على عصور التاريخ المصري. وأول ما يلفت النظر ذلك التصوير الخاطئ الذي يصور به تعاقب العصور والدول على مصر؛ فمصر حسبما تقول النظرية، قد غادرت منذ أيام الفراعنة عهد الحريات القومية إلى الأبد، وتعاقبت عليها الدول الغالبة تباعاً، فافتتحها الفرس، ثم اليونان، ثم الرومان، ثم العرب في سلسلة متصلة من السيادة الأجنبية، وتعاقبت عليها بعد ذلك دول إسلامية أجنبية من الشرق والغرب ودول المماليك المختلفة حتى كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>