بمناسبة ذكراه الألفية للأستاذ عبد الله كنون الحسني
بقية ما نشر في العدد الماضي
وقال المتنبي:
يَترَشفنَ من فمي رشفاتٍ ... هنَّ فيه أحلى من التوحيد
فقالوا: لو كان يجد للإيمان في قلبه حلاوة لما جعل رشفاتهن من فمه أحلى من التوحيد. ونقول: إن البيت قد روى هكذا: هن فيه حلاوة التوحيد، وهي نسختنا أيضاً. وقد قيل إن أفعل غير مراد به التفضيل؛ وقيل أيضاً إن التوحيد نوع من التمر! وعلى الرواية الثانية يكون شبه الترشيف بحلاوة التوحيد ولا حرج في ذلك، ومثله مستساغ في مذهب الشعراء. هذه ثلاثة أبيات ليس في شعر المتنبي أكثر غلواً منها، ومع ذلك فهي لا ترد علينا كما رأيت. أما مذاهب عقليته فنشير إليها حيث يقتضي المقام ذلك؛ وليس هناك ما يدل على أنها من ذات نفسه ومضمر قلبه أصلاً؛ وأما مبالغاته في المدح فيصل بها إلى حد المقارنة بين نفسه وممدوحيه من الأنبياء
والأمر الأول لا شك لا يؤاخذ عليه لأنه حتى على فرض كونه مما يؤثر في صحة الإيمان فمن أين لنا أنه كان يعتقده؟ وإلا فحاكى الكفر ليس بكافر، وعلى أنه اعتقده فمن أين لنا أنه استمر على اعتقاده إلى أن مات؟ وعلى كل حال فالحكم على المتنبي بضعف العقيدة لبعض أفكار فلسفية تضمنها شعره يجعلنا لا نقبل في حظيرة الإسلام أكثر علماء الإسلام من الذين لهم مذاهب فلسفية وأفكار حكمية. على أنه ما من قول موهم في شعر المتنبي إلا وقد وجد في شعر غيره ما هو أكثر إيهاماً منه، فلماذا لم تحكموا على غيره من الشعراء بذلك الحكم الجائر؟ ولولا ضيق المجال لعقدنا مناظرة بين أقواله وأقوال غيره من الشعراء في هذا الموضوع حتى يرى القارئ أن المتنبي لا يزيد على غيره إن لم يقصر في ذلك. وإليك قوله مثلا في كافور:
ألا فتى يُورِدُ الهندي هامته ... كيما تزول شكوك الناس والتهم