للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بلاط الشهداء بعد ألف ومائتي عام]

للأستاذ محمد عبد الله عنان

(لما علم الفرنج وسكان بلاد الحدود الإسبانية بمقتل عثمان بن أبي نسعة وسمعوا بضخامة الجيش الإسلامي الذي سير اليهم، استعدوا للدفاع جهدهم وكتبوا إلى جيرانهم يلتمسون الغوث. وجمع الكونت سيد هذه الأنحاء (يريد أودو) قواته وسار للقاء العرب ووقعت معارك سجال. ولكن النصر كان إلى جانب عبد الرحمن بوجه عام فاستولى تباعا على كل مدن الكونت. وكان جنده قد نفخ فيهم حسن طالعهم المستمر فلم يكونوا يرغبون الا في خوض المعارك واثقين كل الثقة في شجاعة قائدهم وبراعته)

(وعبر المسلمون نهر الجارون وأحرقوا كل المدن الواقعة على ضفافه وخربوا جميع الضياع وسبوا جموعا لا تحصى؛ وانقض هذا الجيش على البلاد كالعاصفة المخربة فأجتاحها، وأذكى اضطرام الجند نجاح غزواتهم واستمرار ظفرهم وما أصابوا من الغنائم).

(ولما عبر عبد الرحمن نهر الجارون اعترضه أمير هذه الأنحاء ولكنه هزمه ففر أمامه وامتنع بمدينته. فحاصرها المسلمون ولم يلبثوا أن اقتحموها وسحقوا بسيوفهم الماحقة كل شيء. ومات الكونت مدافعا عن مدينته واحتز الغزاة رأسه. ثم ساروا مثقلين بالغنائم في طلب انتصارات أخرى، وارتجت بلاد الفرنج كلها رعباً لاقتراب جموع المسلمين، وهرع الفرنج إلى ملكهم قلدوس في طلب الغوث، وأخبروه بما يأتيه الفرسان المسلمون من العبث والسفك وكأنهم في كل مكان، وكيف أنهم احتلوا واجتاحوا كل أقاليم أربونة وتولوشة وبردال وقتلوا الكونت. فهدأ الملك روعهم ووعدهم بالغوث العاجل. وفي سنة ١١٤ سار على رأس جموع لا تحصى للقاء المسلمين. وكان المسلمون قد اقتربوا عندئذ من مدينة تور، وهناك علم عبد الرحمن بأمر الجيش العظيم الذي سيلقى. وكان جيشه قد دب اليه الخلل لأنه كان مثقلا بالغنائم من كل صوب. ورأى عبد الرحمن وأولو الحزم من زملائه أن يحملوا الجند على ترك هذه الأثقال والاقتصار على أسلحتهم وخيولهم ولكنهم خشوا التمرد أو أن يثبطوا عزائم الجند واستسلموا لرأي الواثقين المستهترين. واعتمد عبد الرحمن على شجاعة جنده وحسن طالعه المستمر. ولكن الاضطراب خطر خالد على سلامة الجيوش. صحيح أن الجند يحملهم ظمأ الغنم أن يأتوا جهودا لم يسمع بها فطوقوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>