للدين في أدب كل أمة أثر عميق متشعب، بل هو أخل الآداب والفنون والعلوم، تنشأ كلها في الجماعات البدائية لخدمته، ويستأثر بالتبحر فيها رجاله، ثم تذيع عنهم في بقية الشعب وتنفصل تدريجياً عن الدين، ويستقل كل منا بنفسه، ويظل للدين مع ذلك أثر فيها قل أو كثر، يؤثر فيها من جراء تأثيره في المجتمع الذي تستقي منه العلوم والفنون؛ هكذا كان الدين عند قدماء المصريين واليونان والرومان واليهود وغيرهم من الأمم.
ولا يشد الأدبان العربي والإنجليزي عن هذه القاعدة: فقد تأثر كل منهما بالوثنية أولاً ثم بدين سماوي وكتاب منزل، وشهد
نهضة دينية كبرى كان لها أثر عظيم في مجتمعه، واختلط الدين بالسياسة في كلتا الأمتين وتأثر الأدب بهذا الاختلاط، وكان من رجال الدين في الأمتين بلغاء ذوو أذواق أدبية أتحفوا أدب اللغة بآثار جليلة في الحض على الفضيلة والكمال الروحي، وكان من أدباء كلتا الأمتين متشيعون للطوائف الدينية دافعو عنها في نظمهم ونثرهم.
شهد الأدب العربي أعظم النهضات الدينية طراً بظهور الإسلام، الذي غير وجه المجتمع العري وأغنى الأدب بخير ما فيه من الخطب الدينية والسياسية، وإن يكن الأدب الإنجليزي لم يشهد نشأة النصرانية فلم تفته نهضة دينية عظيمة الشأن هي الإصلاح الديني الذي شمل أوربا في عهد الحياء وامتد في إنجلترا إلى القرن السابع عشر، وانتهى بانتصار طائفة المطهرين، وأنجب هذا العهد رهطاً من الكتاب والشعراء المبرزين أمثال ملتون وبنيان ودَن وهريك وهربرت وكراشو، الذي خلفوا أحسن ما في اللغة من أشعار الورع والطهر والسمو الروحي.
وحبت تلك النهضة الدينية الأدب العربي بكتاب سماوي لن يزال مثلاً أعلى في البلاغة ومعيناً لا ينضب للبلغاء، ومنذ ترجم الإنجيل إلى الإنجليزية ترجمة بليغة، كان له فضل عظيم على اللغة وعلى أدبها، فقد أقام قواعدها ووضح أساليبها، ولم يزل مثلاً للسلاسة والإمتاع.