استطاع أبو القاسم الآمدي أن يحشد لنا في كتابه الموازنة طائفة كبير جداً من أشعار أبي تمام التي سطا فيها على معاني غيره من الشعراء، والتي تركها تختمر في رأسه - كما يعبر الآمدي - أو التي اتكأ فيها على نفسه - كما يقول أبو بكر الصولي - حتى أخرجها آخر الأمر زائدة المعنى، أو معدولاً بها عن معناها الأصلي، أو مذهوباً بها تلك المذاهب الطريفة التي تصورها ابن الأثير، والتي قسمها إلى تلك الأقسام الخمسة: من نسخ، ومسخ، وسلخ؛ وأخذ المعنى مع الزيادة عليه، وعكس المعنى إلى ضده، على نحو ما بيناه في الكلمة السالفة. وكان ابن الأثير يضرب الأمثال لكل من هذه الأقسام بأبيات شائقة لشعراء مختلفين، وكان ما خص منها أبا تمام شيئاً كثيراً. وسنجهد هنا أن نطبق موازينه على السرقات التي أوردها الآمدي، لنرى أن أبا تمام كان يسرق حقاً، وكان يستر هذه السرقة فتخفي على الناس أحياناً، ثم تكشف عن نفسها أحياناً أُخرى، بل أحياناً كثيرة. . . وسنرى أنه كان يزيد في المعاني المسروقة معاني مبتكرة يوفي بها على غاية الحسن. . . بل يظهرها بها في صور عجيبة لا يقدر عليها إلا خيال فنان مبتكر، قادر على التوشية الحية، والتلوين البديع. وسنرى أيضاً أنه كان يغلو في صوره، حتى يجعلها ضرباً من الألغاز، يكاد ينقلب إلى ضرب من السخف، لما يحشد فيها من الإغراب والتعقيد. . . الأمر الذي جعل حساده يقولون فيه: إنه ابتعد عن عمود الشعر، لإسرافه في استعمال أدوات البديع. . . استعمالاً حسياً أحياناً، واستعمالاً معنوياً في أغلب الأحيان
وسنرى كذلك أن أبا تمام كان يمسخ المعاني المسروقة، ويقصر بها عن صورها الأصلية الرائعة، وسنرى أن علامات السرقة التي نص عليها ابن الأثير، ولا سيما في السلخ بأنواعه، مستوفية في كثير من سرقات شاعر المعاني الخالد
١ - فمن نسخ أبي تمام قوله:
وركبٍ كأطراف الأسنة عَرَّسوا ... على مثلها والليل تسطو غياهبه