إن علم المالية العامة علم حديث، ولم يعر الناس التفاتهم إليه إلا في هذه العصور الأخيرة وذلك بعد أن تطورت الحكومات الحديثة وتشعبت وظائفها وانتشرت في الناس مبادئ الديمقراطية.
لقد كانت الشعوب - فيما مضى - لا يعنون بالمالية الحكومة من حيث وارداتها أو مصروفاتها إذ كانوا يعتبرونها مما يخص الملك ومن يلوذ به من الوزراء والعمال. . . وكانت الحكومات القديمة بدورها لا تهتم إلا بتوفير المال لخزينة الملك مستعملة في ذلك كل ما تستطيع من وسائل مشروعة أو غير مشروعة. فلم يكن - كالحكومات الحديثة - توجه قسطاً كبيراً من عنايتها إلى العدل في فرض الضريبة، وفي توزيع عبئها توزيعاً مناسباً بين طبقات الأمة، وإلى إنفاق الواردات العامة فيما ينفع الناس ويزيد الرفاه في المجتمع.
وقد كان الملك - الذي كانت الحكومة القديمة ممثّلة في شخصه - يتبع في إدارة ماليته العامة النظام الفردي إذ كان يعتبر المال المجموع ملكاً خاصاً له يتصرف به ولذا كان يسعى جهده لجباية أكبر كمية ممكنة من المال، وصرف أقل ما يمكن منها، ثم توفير المقادير المتبقّية استعداداً للطوارئ أو إشباعاً لرغباته الشخصية التي لها إذ ذاك المقام الأكبر في إعداد الميزانية العامة. ولقد كان بعض الملوك يصرفون جزءاً مما يجمعون في الأعمال والمشروعات العامة، ولكنهم ما كانوا يعتبرون ذلك حقاً واجباً عليهم إنما هو فضل على الناس ومنه يتفضلون بها عليهم.
ولم تكن الضرائب المباشرة معروفة حينذاك، فكانت الحكومة تعتمد غالباً على الجزية من القبائل المغلوبة أو على أملاك الدولة ومناجمها أو على ضرائب المكس والغرامات والمصادرة. . .
وقد لجاء الأثينيون والرومان أخيراً إلى الضرائب المباشرة وقت الحرب فقط. وأن عبقرية الرومان الإدارية قد أدت بهم إلى ابتكار نظام بديع في جباية الضرائب، ولكن هذا النظام لم يكن يعني بشيء من التوزيع العادل في فرض الضرائب إنما كان موجهاً نحو الكفاءة في