يتكلف الصدق في أبريل ليصدقه الناس حين يكذبون العالم بأجمعه، ثم يطلق نفسه على سجيتها باقي شهور السنة، فيكذبه الناس حين يصدقون العالم بأجمعه.
وهو يحاول قدر طاقته أن يصوغ حقائقه المكذوبة صياغة صادقة، ولكن مقدرته الفنية على ذلك ليست كبيرة وإن كانت في نظره، ومن غير تصريح، عظيمة بالغة!!
وأؤكد أنه لو شك يوماً في مقدرته على سبك الأكاذيب، لخجل، وكف، واتزن.
ولكنه لأمر ما، غريزي ولا شك، يكذبك دون أن يشعر أنه يكذب حقاً، أو هو يتصور من فرط عنايته بالصياغة أنه يصدقك حين يتكلم إليك. أستطيع أن أفهم هذا من أنه يتألم إذا اتهمته بالكذب، ويغضب لكرامته غضب من يروي لك خبراً صادقاً وأنت تشك في روايته.
وهو يواجه الناس بمقدرة عظيمة على دفع اتهامهم إياه، وينبري لهم ليرد عن نفسه سيل الانتقاد الجارف. وهو بارع في مواجهته لأكثر من شخص في الوقت الواحد.
وهو إذ يروي لك رواية، يهذبها قبل أن يلقيها إليك بقدر ما تسمح مقدرته على التهذيب، ثم هو يعود فيتدارك ما قد يكون فيها من تنافر وتضارب مع بعض الحقائق التي قد تسارع إلى رأس سامعه، فينتظر ريثما يفهم نوع استقبالك لحديثه واستساغتك له، فإذا لم يكن بد من الاستدراك، سارع إلى الاعتذار بقوله:(إنني لم أحسن التعبير) ثم يروح يفكر، ويفكر، ويزيد على الاعتذار السابق قوله:(إنني اقصد بالضبط أن أقول كذا وكذا)
وأنت مضطر إلى أن تقبل الاعتذار عن ضعف التعبير أولا، ثم عن ترقيع الرواية ثانياً، لأنه صديقك، وللصداقة حقها. ثم لسبب آخر غير الصداقة إذا كنت ممن يرون الحياة ثقيلة إذا ظلت دائبة على الصدق، وتحري الحقيقة. . ففي الكذب متسع عظيم للخيال الشارد والخيال المتزن، وفي الصدق تحقيق وتدقيق، وأخذ بأسباب الحقيقة، والحقيقة لا تتعدد، وصاحبنا من أنصار التنويع والتعدد، فهو بما يخترع من الروايات، وما يلفق من الأحاديث، ينتقل بك من الجد الثقيل على النفس إلى جد آخر، من صنعته هو! بلغ فيه عنده حد الإبداع في السبك وحسن الأداء، فإذا ضيقت عليه المسالك، وأخذته من كل ناحية، وأعلمت المنطق في قضاياه، وسلطت الحقيقة المرة على خياله الحلو، انحصرت عن