١، ٢، ٣، ٤، ٥، ٦، ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤، ١٥، ١٦، ١٧، ١٨، ١٩، ٢٠، ٢١، ٢٢، ٢٣، هذا كل ما أستطيع أن أذكره عن الثلاث والعشرين سنة الأول من سني حياتي، ومجرد تعداد هذه الأرقام يكفي - كما ترى - لإظهار تشابهها المشترك وتوضيح وحدة اللون بينها.
مات أهلي ولم أعد للطفولة الأولى، وإني لأستحضر صورهم في شيء من الجهد والمشقة، وتكاد معالم البيت الذي شهد حبوي الأول تنمحي من ذاكرتي لولا أنني نشأت غير بعيد عنه أرنو إليه ويرنو إلي، ولكن الدار بيعت وا أسفاه! وغاضت حياتها أبد الدهر، أجل بيع البيت فجرى عليه حكم القدر القاسي وفي هذا المكان اكتحلت عيناي بالنور، وفي مدرسة البلدة تصرم ثمانية عشر عاماً من عمري وقد أعتاد المدير أن يشرح لنا معنى المدرسة وأنها عائلة ثانية لها قيمتها وأثرها في النفس حتى خيل لنا أنها تفضل الأولى بمراحل كثيرة وتسمو عليها شرفاً وقدراً.
وما كدت أنهي دراستي الثانوية وأحمل شهادتها النهائية حتى بعث بي خالي إلى باريس لدراسة الحقوق والتثقف بالثقافة العالية وفي ثلاث سنوات نلت الإجازة التي مضى عليها ثمانية عشر شهراً وهي في يدي، ثم أقسمت يمين المهنة وغدوت - بهذه الصفة المكتسبة على حد تعبير خالي - محامياً متمرناً وكنت كل صباح اثنين أثبت وجودي في المكتب مع زملاء آخرين وظهر لي بذلك أنني حزت ثقة الأرملة واليتيم.
نلت إجازة الأدب - في يسر ولباقة - بينما كنت أتابع دراستي الحقوقية، وأنا الآن أوشك أن أغدو (دكتورا) في الحقوق، ولقد كانت امتحاناتي حسنة في الجملة، ولكنها ليست في الدرجة التي كنت أرجوها إذ قال لي أستاذي إن الذوق الأدبي عمل فيها عمله الشديد (وطبيعة الحقوق - يا بني - لا تمت - على عادة العلوم - إلى القلب والعاطفة بسبب من