للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[امتيازات من نوع آخر]

للأستاذ احمد أمين

هل لاحظت أنك إذا استعرضت مقاهي مصر وفنادقها رأيت أن أعظمها بناء، وأحسنها نظاماً، وأغناها رواداً، وأجملها موقعاً، وأشدها إتقاناً للخدمة، وأكثرها تفنناً في إدخال الراحة والسرور على زوارها، وأمهرها في استدرار مال الجمهور عن رضى واختيار، إنما هي لسادتنا الأجانب؟

وأن أحقرها مكاناً - وأفقرها سكاناً، وشرها موقعاً، وأسوأها خدمة، وأرخصها سعراً، وأكثرها تفنناً في إقلاق راحة زوارها، لا يغشاها إلا من هزل جيبه، أو فسد ذوقه، أو اضطرته حاجة ملحة، أو ضحى براحته ولذته وسعادته لفكرته الوطنية ونزعته القومية، إنما هي لإخواننا المصريين؟

ثم هل لاحظت أن المقاهي والفنادق الأرستقراطية وما يشبهها وما يقرب منها، صاحبها أجنبي، ومديرها أجنبي، والمشرف على ماليتها أجنبي، والذي يقدم إليك الخدمات الرفيعة أجنبي، ومن يقبض ثمن ما قدم ويأخذ منك (البقشيش) أجنبي؛ ثم من يمسح الأرض مصري، ومن يتولى أحقر الأعمال مصري، ومن يمسح لك حذاءك في المقهى أو الفندق مصري، ومن يجمع أعقاب السجاير مصري؛ وأن الأجنبي له الخيار في الأعمال، فما استنظفه عمله بنفسه، وما استقذره كلف به مصرياً؛ ثم أنت لا تجد العكس أبداً في المقاهي المصرية والفنادق المصرية. فلا تجد رئيساً مصرياً ومرءوساً أجنبياً، ولا تجد الأعمال الرفيعة لمصري، والأعمال الوطنية لأجنبي؛ وإذا كان لكل قاعدة استثناء كما يقولون فقد ظفرنا في هذه الحال بقاعدة لا استثناء فيها

وهل تتبعت الصناعات في مصر فرأيت أن كل صناعة رأسها أجنبي وقدماها مصريتان؟ فخير ميكانيكي في مصر أجنبي والحثالة مصريون. وقل مثل ذلك في أعمال الكهرباء والنجارة والحدادة والخياطة، وما شئت من صناعة، حتى لقد زاحمونا في مصنوعاتنا الوطنية، ونشأت فرقة من الأجانب تجيد عمل (الطعمية) و (الفول المدمس) وبزت فيهما المصريين، وأصبحت الطبقة المصرية الأرستقراطية تشتهيهما من يد الأجنبي أيضاً وتفضل ما يصنعه على منتجات (أبي ظريفة) (والحلوجي) ومن إليهما؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>