وصل الفائت: أثبت بستور أن المكروب ضروري للحياة على ظهر هذه الأرض. فإن الأموات من الحيوان والنبات لابد من تعفنها وتحللها وأكسدتها لتتسع البسيطة للنبات الجديد والحيوان الوليد. وأن هذا التحلل لابد له من الأكسجين. ولكن أكسجين الجو عاجز عن هذه الأكسدة فإنها لا تتم إلا بواسطة المكروب. ثم أثبت بستور بعد ذلك أن المكروب منشؤه الهواء، يحمله غباره. وأنك لو أدخلت الهواء دون الغبار إلى اللبن والأمراق ونحوها بعد إغلائها جانبها الفساد، فقضى بذلك على نظرية الانبعاث التلقائي التي تقول إن المكروب ينشأ في الأمراق والألبان وأمثالها من تلقاء نفسه، من العدم
وبعد ذلك قام بستور بتجربة يدلّ البحث الدقيق بين المخلفات والسجلات أنها من صنع نفسه. تجربة هائلة، ركب لها القطار، وصعد من أجلها الجبال، ودار في أعاليها في حذر وريبة حول ما انجمد بها من الأنهار. وعاد معمله مرة أخرى فازدحم فيه القباب، ورنّ الزجاج، وغلت الأحسية فأرغت وتفقعت. وقام أعوانه على العمل قومةً واحدة، فلم تر فيهم إلا رائحاً مسرعاً أو غادياً مهرولاً، حتى لكائنهم عبيد مسترقّون السياط، وما كان وراءهم إلا قلوب مؤمنة وعزمات صوادق. قاموا يجهزون مئات القوارير، ويملئونها بالأحسية بعض الملء، ثم يُغلون كل واحدة منها دقائق، وبينا هي تغلي يسيحون رقابها في نفخات اللهب الشديد، ثم يمطونها ويختمون على القوارير وقد ذهب هواؤها. فإذا بردت لم يكن بها غير الحساء فوقه فراغ. وقاموا على هذا التجهيز ساعات عديدة طويلة حسبوها دقائق من فرط اهتمامهم