للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

من جنايات المذاهب الصوفية

قرأت في باب البريد الأدبي رقم ٥٠٤ كلمة عن المذاهب الصوفية وتنكب بعض رجالها وأتباعها الطريق السوي، ذكر فيها كاتبها الفاضل عن تفسير المنار بعض ما كان للحلاج من مواطآت كان الغرض منها أن يلقي في ورع العمة وأشباه العامة أنه ممن آثرهم الله بعلم الغيب والقدرة على المعجز من الأمور

وقد بعثني ما قرأت إلى كتابة هذه الكلمة الموجزة عن هؤلاء الذين يزعمون أنفسهم متصوفين ومشايخ الطريق، الذين بما لبسوا على العامة وأشباه العامة وبما اندس بينهم من الحال بالشرع والحق، صاروا غير أهل لشيء مما يتمتعون به من تشريف وتكريم

محي الدين بن عربي من أساطين المتصوفة، وممن لا يزال لهم أتباع كثر في البلاد الإسلامية، على بعد فلسفته النظرية والأخلاقية عن الدين، ويكفي أن نشير إلى بعض ما يرى في الأخلاق

١ - انه بما ذهب إليه من القول (بوحدة الوجود) وما يستلزمه هذا القول من اعتبار العالم كله صوراً ومجالي ومظاهر لله الذي هو وحده الموجود، قد أتى الأخلاق من قواعدها، إذ لا معنى للمسؤولية الأخلاقية التي هي مناط الثواب والعقاب؛ لان للآثم أخلاقياً أن يقول: ما دام الله الذي اتخذني مظهراً له هو الذي فعل حقيقة ما يظن انه فعل لي، كيف يستقيم أن أكون أنا المسؤول!

٢ - ويظهر أن الشيخ الأكبر (كما ينعته أتباعه) لا يتهيب أن يصل به مذهبه إلى هذا الحد فيما يتصل بالأخلاق. أنه يرى أن الذي وصل إلى درجة المحبة الحق يباح له أن يتجاوز حدود ما أنزل الله، بعد أن لازم زمناً طويلاً حفظها؛ لان من أحكام المحب أو من صفاته أنه كالدابة جرحه جبار! بل أنه ليرى أن هذا الصنيع من المحب لا يعتبر مجاوزة للحدود إلا في نظرنا نحن، أما بالنسبة إليه فهو كأهل بدر الذين أباح لهم أن يفعلوا ما يشاءون فقد غفر لهم، وإذاً فتصرف المحب هو تصرف فيما أبيح له! وإذا تركنا هذا القياس الخاطئ للمحب على أهل بدر، رأينا ابن عربي يذكر تعلة أخرى لما جاز من تعدي المحب حدود ما أنزل الله؛ إذ يرى أن هذا المحب - وهو ولهان مدله العقل لا تدبير له في رأيه - غير

<<  <  ج:
ص:  >  >>