للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة النقد]

في ليالي الملاح التائه

للشاعرة الفلسطينية الآنسة (دنانير)

شعر صافٍ صفاء الجدول النمير تنعكس فيه صورة نفس الشاعر، فتحس إذ تقرؤه بروح صاحبه تتغلغل في كل لفظة من ألفاظه، وتشعر بدمه يسري في كل بيت من أبياته. فإذا أنت تقرأ نفساً حية تتمثل في قصيدة، وإذا الشاعر يسمو بروحك معه إلى دنيا شعرية علوية تفيض بالجمال والجلال حتى لتنسى ما يحيط بك، وقد ملأت قلبك تلك الأخيلة البديعة التي ملأت قلب الشاعر، وأثر فيك ذلك الإلهام الذي صدر عن حسه المرهف الرقيق. وهذا هو الشعر، متى كان القلب منبعه فالقلوب مصبه. وذلك هو شعر الأستاذ علي محمود في ديوانيه (الملاح التائه) و (ليالي الملاح التائه) وهذا الأخير هو موضوعنا الآن.

يهدي الشاعر شعره إلى الذين أطالوا التأمل في أسرار الكون، وأرهقهم التيه في مجاهل الحياة، وإلى العائدين بأنس أحلامهم إلى وحشة مضاجعهم بين اللهفة والحنين. وفي هذا الإهداء نستطيع أن نلمس تلك الروح النبيلة الهائمة وتلك النفس الرقيقة الشاعرة التي لا يفتر حنينها، نفس الأستاذ علي محمود طه.

أول ما يطالعك الديوان به هو تلك القصيدة التي شرق ذكرها وغرب. ومن منا لم يسمع بأغنية الجندول التي اوحتها إلى الشاعر زيارته لمدينة فينسيا أثناء احتفال الفينيسين بليالي الكرنفال؟ ولعل من اللغو أن أذكر هنا هذه القصيدة لشهرتها البعيدة وذيوع صيتها

اثر في نفس الشاعر طوافة في أقطار الغرب، ونحن نسمع صدى هذا التأثير يتردد في قصائده التي يصف فيها ما شاهده هناك، أو بالأحرى التي يصف فيها تأثير تلك المشاهد في نفسه الصافية وخياله الخصب. نقرأ مثلاً: (بحيرة كومو)، أو (الجندول) أو (خمرة نهر الرين)؛ فإذا روح الشاعر وحسه وقلبه كل أولئك مذاب في قصائده يظهرك على مدى تأثير ذلك الطواف فيه. يقول في قصيدة عنوانها (خمرة نهر الرين):

كنز أحلامك يا شا ... عر في هذا المكان

سحر أنغامك طوا ... ف بهاتيك المغاني

فجر أيامك رفا ... ف على هذى المجاني

<<  <  ج:
ص:  >  >>