الذين يدعوننا إلى الخلاص والحرية والعدالة الاجتماعية باسم القومية الضيقة التي تحد بالبحر الأبيض شمالا، وبالبحر الأحمر شرقا، وبصحراء ليبيا غربا، وبخط الاستواء جنوبا. . أو دون ذلك.
والذين يدعوننا إلى الخلاص والحرية والعدالة الاجتماعية باسم الشيوعية أو غير الشيوعية من المذاهب المادية التي نشأت وعاشت في بيئات غريبة عنا، لا تربطنا بها صلة روحية ولا تاريخية. . .
هؤلاء وهؤلاء يخطئون فهم طبيعة هذا الشعب، وقوة العوامل الكامنة في ضميره، والرواسب الشعورية التي تحركه، وطريقة تفكيره ونظرته إلى الحياة.
لهذا يفشل هؤلاء وهؤلاء فشلا ذريعا، وتبدو حركاتهم كالفقاقيع التي تعلو وجه الماء فترة، ثم تفتأ وتتوارى!
هذا الفشل منشؤه كما قلت: جهل هؤلاء وهؤلاء بطبيعة هذا الشعب، وطرقة تفكيره ونظرته إلى الحياة. يضاف إليه عدم فهمهم لحقيقة هذا الشعب في العالم، وللعوامل الدولية التي تجعل الشعوب تختار طريقا دون طريق.
إن دعوة القومية الضيقة، التي تنزوي داخل حدود صناعية أو تخوم جغرافية. . دعوة تنافي الاتجاه العالمي إلى الاندماج في وحدات ضخمة، تمهيدا للحلم البشري الكبير. . حلم الوحدة العالمية الكبرى. . وهي تخالف فكرة الإسلام الذي تدين به غالبية هذا الشعب. . فالوطن الإسلامي هو كل أرض يظللها لواء الإسلام. ومن ثم فهو يزيح الحواجز الصناعية والتخوم الجغرافية، ويحل محلها فكرة، تندمج في ظلها كتلة بشرية ضخمة، تحاول دائما أن تضم إليها بقية البشر، تحقيقا للهدف الإسلامي الأكبر، هدف الوحدة العالمية الكبرى.
ومن هذا الاستعراض السريع للاتجاه العالمي اليوم؛ والاتجاه الإسلامي منذ مولد الإسلام، يتبين مدى نظرة الإسلام التقدمية في الماضي وفي الحاضر على السواء. ويتكشف أن الفكرة الإسلامية كانت سابقة لتطورات الفكر البشري قرونا وقرونا. وما تزال فكرة قائدة هادية، ذات مجال فسيح في بناء مستقبل البشرية. . كما يتكشف مدى الضيق والانعزال