إن كل شيء في هذا العالم متصف بالفردية، حتى الحياة أيضا لا تخلو من ذلك؛ ولا وجود في الخارج للحياة الكلية التي ينشدها بعض المذاهب الفلسفية والصوفية، فالله أيضا فرد واحد ليس كمثله شيء؛ وأما الكائنات فهي عبارة عن مجموعة الأفراد، ولكن النظام، والنسق، والتوافق والتطابق الموجودة فيها ليست بنفسها كاملة. ومهما كانت فهي نتيجة سعي الأفراد الغريزي، وعلى هذا فنحن نتقدم بالتدريج من الفوضى إلى النظام، ومن النقص إلى الكمال. وعدد أفراد هذه المجموعة غير محدود ولا معين، فانه يزداد كل يوم ويتضاعف. فالأفراد الحديثو الولادة يشاركوننا بدورهم ويساعدوننا للبلوغ إلى هذه الغاية العظمى - الكمال، ولذلك كان عمل الكائنات غير متناه، لأنها لا تزال تتدرج في مدارج الكمال وتترقى إلى ذرى المجد. وعلى أن الكائنات لم تنال الكمال المنشود بتمامه بعد، وما تفتأ تستنفد وسعها وتفرغ مجهودها في بلوغه فلا يمكن أن يقال في شأنها الكلمة الأخيرة، وما يمكن أن يقال فيها هو أنها ليست بحقيقة كاملة. وعملية الخلق فيها جارية يقوم فيها الإنسان بنصيبه، ويشترك فيها إلى أن يقدر أن يوجد النظام على الأقل في جزء من فوضاها؛ والقرآن قد أشار إلى هذا الخلق في الآية:(فتبارك الله أحسن الخالقين)
فنظرية إقبال هذه في الإنسان والكائنات خلاف ما يراه الإنجليز من أتباع مذهب الهيجلية الحديثة أو الصوفية في مسئلة وحدة الوجود من أن الغاية القصوى لحياة الإنسان ونجاتها في أن تندمج في الحياة الكلية كما تندمج القطرة في البحر وتفقد فرديتها
ليست الغاية الأخلاقية للإنسان ولا مرمى دينه أن يبيد وجوده بإتلاف فرديته وإفناء أنانيته، بل أن يحافظ على فرديته وأنانيته، وذلك بالحصول على أمثل الصفات وأعلاها التي تجعله فريدا وحيدا. والنبي عليه الصلاة والسلام قد أبانه بقوله:(تخلقوا بأخلاق الله)، أي اتصفوا بصفات الله، لذلك كلما كانت صفات الإنسان أشبه بصفات الله كان فريد زمانه وواحد