أما الحياة فيرى إقبال أنها اسم آخر للفرد. وأسمى صورة لها تحققت إلى الآن هي الأنانية التي بها يصبح الفرد مركزا مستقلا؛ فالإنسان مركز مستقل من كلا الجهتين، أي الجسمانية والروحانية، لكنه ليس بفرد كامل. والفرد كلما كان بعيدا عن الله كانت فرديته ناقصة وأحط درجة، وكلما كان قريبا من الله كانت فرديته كاملة وأرفع منزلة. وليس معنى القرب هذا أن تكون نهايته الفناء في الله أو الاندماج فيه كما قرره بعض الصوفية والفلاسفة؛ بل خلافا لذلك هو يجذب الله إليه، أي يتصف بصفاته وأخلاقه؛ وإلى هذا أشار إقبال في بيت من ديوانه (بيام مشرق) التبس مفهومه على البعض، قال:
(دردشت جنون من جبريل زبون صيدى
يزدان بكمند آور آي همت مردانه!
إن في صحراء جنوني جبريل صيد تافه
يا همتي الشماء ائتي في أنشوطتك بالله.)
يريد به أن الاتصاف بأوصاف الملائكة عنده شيء تافه بل هو يتوخى بهمته الشماء صفات الله
إن الحياة شيء متقدم. هي حركة تجذب الكائنات إلى نفسها بالغلبة على مشاكلها ومعضلاتها العائقة لها عن سيرها وتقدمها، وجوهر وظيفتها خلق الأماني والأغراض الجديدة بالاستمرار والتقدم ولصون نفسها قد أوجدت الحياة الوسائل، أو هي ظهرت طوعا لشريعة الارتقاء، وهذه الوسائل هي الحواس الخمس والقوة المدركة التي بها تغلب المشاكل والمعضلات، وإن كان أكبر العوائق في طريقها الطبيعة أو المادة، لكنها في ذاتها ليست بشر، إذ هي تمكنها من إبراز قواها الخفية واستعداداتها المكنونة
إن الأنانية حينما تستولي على المشاكل والمعضلات ويبين شأوها عليها تنتقل من الجبر إلى الاختيار فأنها إلى حد ما مجبرة وإلى حد ما مختارة كما ورد في الأثر أن (الإيمان بين الجبر والاختيار)، ومتى نالت النهاية القصوى من زلفى الأنانية العظمى (أي الله) التي ليس كمثلها شيء في الحرية والاختيار تمتعت بأقصى مدى من الاختيار والحرية، وعلى هذا فالحياة عبارة عن الجهد المستمر للوصول إلى ذلك المدى من الاختيار والحرية