للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[١ - تأملات]

في يوم سبت من يناير من عام منصرم تحركت عاطفة مكنونة فإذا هي تضطرم، وإذا ظرفها الطارئ يطبع أربعة عشر عاماً من حياتي بطابع خاص. كانت العاطفة في غضونها مودة فحسب، اشتدت حيناً وفترت أحياناً، وتفاوتت درجاتها بتفاوت الظروف لكنها بقيت مودة يغذيها ميل وألفة وجميل وعرفان؛ حتى كان يوم السبت، فحالت العاطفة شيئاً آخر بدأ غبطة يكتنفها ذهول واستسلام؛ ثم تنبه القلب إلى زائر جديد لا يعرف الاستئذان وأستقر بين الضلوع شئ نسيت على مر الأيام اسمه، فأحسست اليوم فعله، وكان جارفاً، أطار كل شئ من لب ونوم، وبسط على نفسي الهادئة سلطانه، فاضطربت واضطرمت، ولم تك تدين من قبل لسلطان كهذا يشبه البُحران

ومضت بين السبت والسبت سبعة أيام لزمت فيها الفراش يومين، ومخدعي ثلاثة، وحرت في بقيتها بين البيت والمكتب، تارة آلم، وتارة أنغم، وطوراً تفترسني كآبة تبيت معها قوتي ضعفاً، ولا أملك أن أرفع فيها جفناً. أما طبعي الذي لم يبال في حياتي أحداً، فخانني هذه المرة، فكففت عن أن أكون ما كنت

كنت أحب الوحدة، والظلام الذي لا يقربه الخفاش، لأنه تضيئه التأملات. وكنت أوزع مودتي على غير واحد من بني البشر، وأحس الميل الجامح إلى غير واحدة من بناتهم. فلم أعرف في التوزيع غير القسطاس. وكنت أعجب أحيانا كيف أحب الناس هذا الحب العادل، وكيف أتحرر إلى هذا الحد من سلطان التحيز والتحامل، لكني هذه المرة قد اضطرب ميزاني، فإذا بي أميل إلى ناحيته كل الميل، وإذا تلك التي رجحت كفتها تستبدي من دون أن تعلم، وتستحوذني على عظم جرمي في طي إشارة لو شاءت، وهي بعد لم تشأ ولم تدِر. بل قل: إنها تدري ولكن لا تدرك. وكيف تدرك وهي تبعث، والأمر عندي جد وهي تلهو، وأنا جدُّ حزين؟

ما بك يا فتاتي! الشباب الذي ترفلين في غفلته، وتخطرين في روعته، وتمر فيه نظراتك واهنة، فتصمي مع هذا إصماء السهم؛ ثم لا شي في ذهنك غير الفراغ، وكل شي يضطرب به ذهني، ويدمي، ويتألم. . .

أأحسست دفء الإيمان في راحتي حين احتوت راحتك الدافئة بدم الشباب؟

إذن فدعيني أذكر لك يا فتاتي بعض الذي بي: أحبك حبّاً خالط كل حواسي، فأنا أبداً على

<<  <  ج:
ص:  >  >>