قال محدثي: (إنكم يا معشر الكتاب الإسلاميين تتصايحون في واد، وتنفخون في رماد، وتجهدون أنفسكم، وترهقون أقلامكم في غير فائدة، فأنتم تريدون الإصلاح بأداة ينقصها الإصلاح، وترغبون في السبق براحلة عرجاء. . . تصرون على أن يتزعم الإسلام كل نهضة، ويتقدم كل وثبة، والإسلام لم يزل خليطا من الشوائب التي تسيء إليه، ومزيجا من الفضائح التي تحط من قدره. .!
(ما هذه الطرق الصوفية البلهاء التي لا زالت تغزو مصر: كفورها وقراها ومدنها، حتى العاصمتين لا تتنازل عنهما: وتأبى أن ترحمهما. إنها دولة داخل الدولة، عدتها الجهل المطبق، وسلاحها الغباء الفاضح، ووسيلتها الدجل والشعوذة، ورعاياها السذج المغفلون، وولاة أمورها المرتزقة المتلاعبون. أليس من العار أن تقوم هذه الدولة المزعومة باسم الإسلام لتنشر بين المسلمين الجهل، وتحوطه بسياج من الدجل، وتذود عنه بقوة من الحمق؟ أليس من العار أن تسيطر هذه الدولة المزعومة في مصر على الألوف المؤلفة من المسلمين الجهلة، لتهب لهم إسلاما ممسوخا، ودينا زائفا، ولتجعل منهم آلات لا نفهم الإسلام إلا ركعات وسجدات يؤدونها، وشهرا يصومونه، وأورادا يداومون على تلاوتها، ولا يفهمون الدين إلا انقيادا أعمى للسادة المربين، والأخيار العارفين، ممن نصبتهم هذه الدولة المزعومة هداة مربين وهم أضل من الضلال، وأجهل من الجهل، وأضفت عليهم ألوانا من الألقاب ليكونوا في نظر قطعان الماشية ذاتا مصونة يجب أن تقدس، وملتمس بركة يجب أن يتقده إليه!؟
أليس من العار أن تضم هذه الدولة المزعومة بين جناحيها جيشا جرارا من البطالة باسم الإسلام، لا يحترف إلا اصطناع اللحية، وإتقان العمامة، وتحريك السبحة، ولا يمتهن إلا التسول في الموالد، والتسكع حول الأضرحة، والمزاحمة على حثالة النذور، وفتات الصدقات. ولا يرجو من الحياة إلا مسجدا يضمه سحابة النهار، وإفريزا يؤويه جنح الليل، وجلبابا مرقعا يتوارى فيه، ويستعين به على مفاجآت الجو وتقلباته؟