الأستاذ الكبير عبد الرحمن الرافعي بك جدير أن يسمى بحق مؤرخ النهضة القومية الحديثة، لأنه أرخها في مرحلتها التي بدأت بالحملة الفرنسية، وأرخها في مرحلتها التالية التي بدأت بقيام محمد علي الكبير على الأريكة المصرية، وصحبها فيما أعقب ذلك من المراحل إلى عهد الثورة العرابية فالاحتلال البريطاني فالحركة الوطنية في عهد هذا الاحتلال
وهاهو ذا قد تأدى في تاريخه لها إلى ختام القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أي إلى الفترة التي ظهر فيها زعيم الوطنية في أبناء ذلك الجيل مصطفى كامل باشا رحمه الله
ونهج الأستاذ الكبير في كتابه عن مصطفى كامل شبيه بنهجه في الكتب المتقدمة من حيث الطريقة والوجهة، يتتبع الوقائع ويستقصي ما احتاج إليه من الأسانيد وينصف في الحكم على الرجال والحوادث مع ميل يسير إلى تخفيف التبعات أو تجميل المحاسن في بعض الجوانب، وسهولة في التعليل والتعليق لا تثقل على ذهن القارئ ولا تكتفي مع ذلك بالظواهر دون ما يلازمها من الأسباب والعواقب
إلا أنه في كتابه عن مصطفى كامل قد اقترب من ميدان الحياة الحاضرة أو من معترك السياسة الذي يعيش فيه، فكان لذلك آثره في الميزان دون قصد في بعض الأحيان، وعلى قصد ظاهر في بعض الأحيان
ولتوضيح ما نقول نرجع إلى الحركة الوطنية ومذهبيها المختلفين بعد احتلال الإنكليز لهذه البلاد
فقد كانت الدعوة الوطنية كما قلنا في كتابنا عن سعد زغلول (شعباً مختلفات في المقصد والنتيجة المأمولة، فمنها ما كان يتجه إلى الدولة العثمانية، ومنها ما كان يتجه إلى فرنسا لأنها أكبر الدول التي كانت تناوئ في مطامعها الشرقية، ولم يشترك مع هؤلاء ولا هؤلاء حصفاء الثورة العرابية الذين شهدوا بأعينهم تذبذب السياسة الفرنسية والسياسة العثمانية قبل الاحتلال. فقد رأى رجال هذا الفريق ما هو حسبهم وزيادة في هذه الآمال الكاذبة وهذه الجهود العقيمة، فاستقاموا على الطريق الوحيد المفيد الممهد لهم وهو طريق النهضة