بين شوقي وولي الدين مشابه كثيرة، فكلا الرجلين تركي الأصل، وكلاهما نشأ في ظلال الترف والنعمة، وذللت دونه طرق المجد والجاه، فاتصل بالأسرة الحاكمة، وتقلب في المناصب المرموقة. وكلاهما شاعر مبدع يصوغ القلائد الساحرة، ويصرف أعنة البيان حيث يريد. وكلاهما ينتقل به هواه فوق ضفاف البسفور، وعلى شواطئ النيل، فأنت تسمع لهما الروائع المبدعة في وصف الآستانة، كما تقرأ لهما الحنين الدائب إلى مطارح النيل، حيث قدر لهما أن ينزحا عن القاهرة مغتربين، ذاك إلى الأندلس، وهذا إلى سيواس، وفي غياهب المنفى السحيق تتأجج العاطفة، ويجيش الخاطر بالروعة والإبداع
ورغم هذه المشابه العديدة فقد افترق الشاعران في وجهة نظريهما إلى السلطان عبد الحميد افتراقاً شاسعاً، وقد وجد كلاهما من ظروف حياته، وطبيعة شخصيته، ما يدفع به إلى التمسك برأيه والدفاع عنه مما يملك من بيان. وقد كان لعبد الحميد في كثير من الأذهان صور متناقضة متضاربة، فهو - من ناحية - أمير المؤمنين الرسمي، وقائد الإسلام الرمزي، وظل الله في أرضه، وخليفته في تنفيذ أوامره وتحريم نواهيه! وهو - من ناحية ثانية - طاغية مستبدة، يعذب الأبرياء، ويغتال النصحاء، وينصب الدسائس والشباك، ويجمع الحور والغانيات في قصوره المترفة الناعمة، ويصل إلى أهوائه الجامحة في طريق من الأشلاء والدماء! وتلك أمور تدعو إلى الثورة وتدفع إلى العصيان، فانطلقت الألسنة بالعراق والشام ومصر تندد ببغيه وعدوانه، وقام الزهاوي والرصافي وولي الدين بتجريحه وهجوه، فأظهروا للملأ فضائحه ومثالبه. ومن المدهش الغريب أن يقوم إلى جانب هؤلاء الثائرين شعراء مبدعون بكيلون المدح كيلا للسلطان الجائر، ويرسلون القصائد الرزنة تلهج بالثناء عليه، وتحيل ظلماته الدامسة إلى نهار ضاح! وأنت تسأل عن سبب ذلك فنجد هؤلاء المادحين يهيمون بالوحدة الإسلامية، ويخافون أن تتصدع الخلافة بمهاجمة