(للكاتب الأمريكي جيمز هارفي روبنسون رسالة قيمة عرض فيها لأساليب التفكير المختلفة، مبيناً الدور الذي يؤديه كل في تكوين الحضارة الإنسانية. ونحن نعرض في هذا المقال لواحد من تلك الأساليب محاولين أن نكشف عن الأصل فيه، على ضوء علم النفس الحديث)
من أساليب التفكير المتنوعة أسلوب يطلق عليه علماء النفس المحدثون اسم (التبريد العقلي) أو الجدَلي. والأصل في هذا الضرب من التفكير أن يعرض أحد لمناقشة عقائدنا وآرائنا؛ فإننا عندئذ نعمد إلى تبريد هذه الآراء والمعتقدات بأدلة عقلية نصطنعها من أجل مواصلة الاعتقاد بتلك الآراء. وقد يحدث أحياناً أن نغير آراءنا وأفكارنا دون أن يكون ثمة مؤثر خارجي، ولكن إذا حاول أحد أن يثبت لنا خطأنا، فإننا نزداد تمسكاً بهذه الآراء التي ننادي بها ونمعن في التعصب لها والتعلق بها. ونحن في العادة متسرعون في تكوين آرائنا ومعتقداتنا، ولكننا نجد أنفسنا حريصين على هذه الآراء والمعتقدات، حينما يحاول أحد أن ينتقص من قيمتها، أو أن يشككنا في صحتها. ومن الواضح أن الأفكار نفسها ليست هي الشيء العزيز علينا، وإنما هو تقديرنا لذواتنا وحرصنا على كرامتنا الشخصية. فإذا كنا نميل بطبيعتنا إلى أن نتعصب لشخصنا وأسرتنا ومجتمعنا ومعتقدنا، فما ذلك إلا لأن في هذا ذَوْداً عن كرامتنا الشخصية. وقد تشتد الهجمات الموجهة إلى عقائدنا وأفكارنا، فنضطر إلى التسليم، ولكن يندر أن نعترف بالهزيمة (فالسلم - في العالم العقلي على الأقل - يجئ دائماً بغير نصر حاسم)
وقلما يكلف الناس أنفسهم عناء البحث عن الأصل في معتقداتهم التي يحرصون عليها ويتمسكون بها، فإن الحقيقة أننا ننفر بطبيعتنا من القيام بهذا العمل. . إننا نحب أن نثبت على العقيدة التي اعتدنا أن نسلم بأنها هي الحق؛ فإذا ما أثير حولها الشك، رحنا نبحث هنا وهناك عن حجج معقولة تبرر مواصلتنا التمسك بها، ولهذا فإن الجانب الأكبر مما نطلق عليه أسم (الاستدلال) أو التفكير المنطقي، ينحصر في البحث عن حجج وأدلة تبرر ثباتنا