للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[السيدة زبيدة]

للأستاذ عبد الواحد باش أعيان

لينحن التاريخ برأسه إجلالا لكثير من النساء النوابغ اللواتي سجلن أعظم الأعمال والمفاخر في صحائفه، وللمرأة العربية نصيب كبير في مفاخر التاريخ وروائعه، فمنهن الملكات الحازمات اللائى رفعن ممالكهن للسؤود والرفعة، ومنهن المحاربات البواسل، ومنهن الشواعر والأديبات، ومنهن من سجلن أعمال الخير والإصلاح في كثير من مرافق الحياة.

من أشهر هؤلاء النساء النوابغ وأعظمهن أعمالا للخير واهتماما في الإصلاح والتعمير هي الملكة العباسية الهاشمية السيدة زبيدة زوج هارون الرشيد وأم الأمين وبنت جعفر بن (أبي جعفر المنصور).

ولدت سنة ١٦٥ هجرية في أحضان العز ومهد الدلال، وترعاها قلوب بني العباس ويحيطها حبهم ورعايتهم ولا سيما جدها الخليفة الحازم أبو جعفر المنصور وكان يؤثرها بعنايته وحبه.

وهو الذي سماها زبيدة لما رأى من نعومتها وبياض بشرتها، وقد كانت تجمع إلى الجمال الباهر والأدب العباسي السامي عقلا كبيراً وذكاء نادراً وعلماً وأدباً كبيرين.

وفي خلافة عمها المهدي زفت إلى ابن عمها هارون الرشيد فكانت ليلة زفافها من الليالي المشهورة في بغداد يوم ذاك بالروعة والبهاء والفرح، وقد نثرت اللآلئ في جنبات طريقها على البسط الموشاة بأسلاك الذهب. وقد ألقى عليها من غالي الجواهر واللؤلؤ ما أثقلها وعاقها عن السير، فكانت عند زوجها وقد استأثرت بقلبه وخلص لها من دون جواربه وسراريه اللواتي يملأن قصره، وقد شغف بها الرشيد واطمأن إلى رأيها وتدبيرها وكمال عقلها حين أصبح خليفة، فأخذ يسترشد برأيها في حل المعضلات من أمور الدولة الإمبراطورية الإسلامية في ذلك العصر الذهبي، وأطلق يديها في بيت المال تنفق ما تشاء، وقد أنفقت أموالا عظيمة في الإصلاح والخيرات، تلك الأعمال التي خلدت اسمها بين أعظم نساء العالم كرماً وخلقاً وشرفاً، وسبقت من تقدمها من نساء الإسلام في الأعمال. ولقد قيل إنها أنفقت فيما ابتنت في طريق مكة من مساجد ومنازل ومشارب مليونا وسبعمائة ألف دينار زيادة على ما أنفقته (ويقدر بأكثر من مليون دينار) حين أوصلت الماء إلى مكة

<<  <  ج:
ص:  >  >>