للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

مطالعات في (ألف ليلة وليلة)

عبد الله البري وعبد الله البحري

قصة فلسفية دينية

للدكتور حسين فوزي

إنني أراه هذا الصياد المعدم وقد عاد من صيده فارغ الجعبة ينتظره بالبيت تسعة عيال وأمهم التي وضعت في هذا اليوم بالذات مولودها العاشر. أراه في عودته واقفاً بباب الخباز وسط الزحام وكان (وقت غلاء، ولا يوجد عند الناس من المؤن إلا القليل في تلك الأيام)، يرمق الأرغفة المتراصة بنظر زائغ، ويستعبر رائحة (العيش السخن) تشتهيه نفسه. أراه ماثلاً أمامي هذا الصياد (الغلبان) خرج صباح اليوم يلقي الشبكة (على بخت المولود الجديد) فلا تصيد إلا رملاً وحصى وأعشاباً. وهو يتساءل (كيف يخلق الله هذا المولود من غير رزق) وقد حفظ من أقوال الأقدمين: (من شق الأشداق، تكفل لها بالأرزاق، فالله تعالى كريم رزاق)

وإذا بالخباز يناديه ويسأله إن كان يطلب خبزاً. ثم يلح عليه في أن يحمل منه ما يريد فهو صابر عليه حتى يأتيه الخير. ويرضى الصياد على شريطة أن يقدم شبكته رهناً، فيرفض الخباز احتجاز الشبكة التي يقوم عليها أود الصياد، ويعطيه خبزاً بعشرة أنصاف فضة، ويقدم له عشرة أنصاف فضة (ليطبخ بها طبخة). على أن يجيئه بسمكة في الغد.

وفي اليوم التالي يخفق في صيده كما أخفق في اليوم السابق، فيخجل أن يقف بباب الخباز. بل هو يعجل بخطاه أما حانوته ولكن الخباز يناديه قائلاً (يا صياد، تعال خذ عيشك ومصروفك فإنك نسيت). ودام الحال على هذا أربعين يوماً حتى سئم الصياد هذه الحياة، وود أن لم يكن المخبز في طريقه إلى البحر حتى لا يضطر إلى المرور بالخباز الكريم. ولكن زوجه تشجعه على المضي إلى البحر، وتشكر الله الذي قيض لهم هذا المحسن

ويذهب الصياد إلى البحر في اليوم الواحد والأربعين وهو يدعو الله أن يرزقه (ولو بسمكة واحدة يهديها للخباز): وإذا بالشبكة متثاقلة يسحبها في مشقة. حتى إذا هي عادت إليه ألفاها

<<  <  ج:
ص:  >  >>