صاحب هذه المجلة وكاتب هذا المقال لم ينفكا يناوئان عدوَّين لمصر، أحدهما تسلّط الموظف بغير حق، والآخر (الخدر والنعاس). وفي الخطاب الرصين الذي ألقاه رئيس الوزراء في التاسع عشر من هذا الشهر ما حرفه:
(وكم رأينا ببعض الموظفين من ضجيج كاذب وحركات لا خير من ورائها ولا بركة. وكم شاهدنا القادرين من أهل الفن والمعرفة يُقصون عن العمل فيما هم أهل له، في حين يشغل بعض المراكز الكبيرة ويتقاضى المرتبات الضخمة من يكتفي من الوظائف بمظهرها وجاهها دون أن يستطيع الاضطلاع بمسئولياتها حق الاضطلاع)
ثم (نعتمد على الشباب. . . وليعلم الشباب أن الباب مفتوح أمامه، وأن الحكومة تريد أن تنتفع بالكفايات والروح الفتية حيثما وجدت، وليس كل شاب فتياً، وعند بعض الكهول شباب متوقد)
هذا كلام يطرب له من يريد التقدّم الحق لهذا البلد: بلد الموظف المتعجرف والناعس المطمئن. أمران ثنتا عندنا بفضل عهدين كريهين: كلاهما نشَّأ الناس للقناعة بخدمة الحكومة القائمة مع حصر الفخر في ذلك، فانهدمت الروح الوثابة والهمة العالية. وعلى هذا جرت الأمور في خطٍّ لا يمتد طرفاه فجمدت حيث هي
الموظف خادم الأمة، منها يتلقى راتبه ولأجلها أنشئت وظيفته. وجاء الوظائف بالقياس إلى جلال الخدمة لا بالنسبة إلى مبلغ الراتب. وإذا شغل الوظيفة من لا يستحقها فذلك مسلَبَة لمال الأمة وعدوان على حقها. وعلى هذا فاستثمار الوظيفة لغير خدمة الأمة إثم، و (المحسوبية) إثم، والتهاون بالمصلحة العامة إثم. ففي وزارة المعارف مثلاً من يستعين بوظيفته على تقرير كتاب من كتبه، وفي كلية الآداب من يدرِّس مادةً زميله المصري أحقُّ بتدريسها، ومعهد الموسيقى يكلفنا مالاً كثيراً ولا يصنع شيئاً
هذا وفي حِسبان بعض الشرقيين أن المقدرة لا تؤاتيك إلا إذا تدلت لحيتك وتخدّد وجهك وارتعشت يدك وثقلت رجلك وأعانت العين صاحبتها على فتح باب وإغلاق نافذة
وأكبر الظن أن الشيوخ في هذا البلد يحذرون الشباب بعض الحذر أو كله. ذلك لأن الشبان