يقولون إن عداء مستحكما موجود بين الرياضيات والأدب بما فيه الشعر، ولكن الحقيقة تنقي وجود هذا العداء، والواقع لايؤيده، إذ ليس في أحدهما ما يناقض الآخر، وكثيراً ما استعان العلماء بأحدهما على الثاني. وإذا كان هناك عداء موضوع أو خصام موهوم، فهو في الحقيقة والواقع بين الرياضيين من جهة، والأدباء من جهة أخرى؛ وما علمت لهذا سبباً، وما قدرت أن أجد الدافع لذلك. فالأديب أو الشاعر يغيظه أن تذكر أمامه كلمة رياضيات، ويزيد في حنقه أن تجري أمامه بحوث في الأرقام والمعادلات والأشكال والخطوط، يتملص من جلسات الرياضيين ويشمئز حين الاجتماع بهم. وليس هذا خاصاً بالأدباء، فكذلك الذين يعنون بالعلوم الرياضية هم أشد حنقا على الأدباء من الأدباء عليهم، لا يتركون فرصة دون ذكر النوادر عن الأدباء والشعراء، وقد يتمادى بعضهم فيستهزئ بلغة العواطف والنسيم والطلول وهند وليلى ومجنونها. وتراهم (أو على الأقل يتظاهرون) بأنهم لا يفهمون معنى لأبيات يتخللها وصف بديع أو مجاز بليغ. هذا صراع موجود لا يمكننا إنكاره. وقلّ أن تجد أديبا أو شاعراً يعنى بالأرقام، كما أنه قل أن تجد رياضياً يعنى بالأدب أو الشعر. وأصبح الجمع بين الرياضيات والأدب والشعر في شخص واحد من الخوارق، بل من ضروب الشذوذ التي تثير الدهشة والاستغراب. فإذا قيل هذا أديب أو شاعر، فمعنى ذلك ضمناً أنه يمج الرياضيات ويكره كل شئ يحتوي على الأرقام والمعادلات. وإذا قيل هذا رياضي فمعنى ذلك ضمناً أنه يكره الأدب والشعر، ولا يفهم إلا الملموس المحسوس، ولا يتكلم إلا بلغة الأرقام. ولكن برغم ذلك فإننا نجد أشخاصاً برعوا وبرزوا في الناحيتين، وكان لهم فيهما جولات موفقات، فهناك رياضيون اعتنوا بالأدب ووجدوا فيه تسلية، وسحرهم الشعر وفنونه، ووجدوا فيه ملهاة، ولم تمنعهم الرياضيات من النظم أو من الغوص على كنوز الأدب، بل قد بلغ في بعضهم حب الجهتين أن استعمل الشعر في التعبير عن القوانين والمعادلات الرياضية. وإذا اطلعت على كتاب (مخطوط) للبيروني: (التفهيم لأوائل صناعة التنجيم) رأيت أدباً عالياً، ودقة في التعابير بالغة الدرجة العليا من الإجادة. وهناك شعراء عكفوا على دراسة الرياضيات والفلك، وشعروا بلذة في